كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 248 """"""
المخاطبة وأسأنا عشرتك وأنت سيدنا ومن نتمنى أن نلقاه . ثم غير الرجل أثواب معبد وخلع عليه عدة خلع وأعطاه في ذلك الوقت ثلثمائة دينار وطيباً وهدايا مثلها ، وأنحدر معه إلى الأهواز فأقام عنده حتى رضي حذق جواريه ، ثم ودعه وأنصرف إلى الحجاز .
ذكر أخبار الغريض وما يتصل بها من أخبار عائشة بنت طلحة
هو عبد الملك ، وكنيته أبو زيد ، وقيل : أبو مروان ، والغريض لقبٌ لقب به ؛ لأنه كان طري الوجه نضراً غض الشباب حسن المنظر ، فلقب بذلك . والغريض : الطري من كل شيء . وقال أبن الكلبي : شبه بالإغريض وهو الجمار ثم ثقل ذلك على الألسنة فحذفت الألف فقيل : الغريض . وهو من مولدي البربر . وولاؤه للثريا صاحبة عمر بن أبي ربيعة وأخواتها الرضيا وقريبة وأم عثمان بنات علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر . قالوا : وكان يضرب بالعود وينقر بالدف ويوقع بالقضيب . وكان قبل الغناء خياطا . وأخذ الغناء في أول أمره عن عبيد بن سريج ، لأنه كان قد خدمه ؛ فلما رأى أبن سريج طبعه وظرفه وحلاوة منطقه ، خشى أن يأخذ غناءه فيغلبه عليه ويفوقه بحسن وجهه ، وحسده ، فأعتل عليه وشكاه إلى مولياته ، وكن دفعنه إليه ليعلمه الغناء ، وجعل يتجنى عليه ثم طرده . فعرف مولياته غرض أبن سريج فيه وأنه حسده ؛ فقلن له : هل لك أن تسمع نوحنا على قتلانا فتأخذه وتغني عليه ؟ قال نعم . فأسمعنه المراثي فأحتذاها وخرج غناءه عليها . وكان ينوح مع ذلك فيدخل المأتم وتضرب دونه الحجب ثم ينوح فيفتن كل من سمعه . فلما كثر غناؤه عدل الناس إليه لما كان فيه من الشجا ؛ فكان أبن سريج لا يغني صوتا إلا عارضه فيه فيغني فيه لحنا آخر . فلما رأى أبن سريج موقع الغريض اشتد عليه وحسده ، فغنى الأرمال والأهزاج ، فأشتهاها الناس . فقال له الغريض : يا أبا يحيى قصرت الغناء وحذفته . قال : نعم يا مخنث حين جعلت تنوح على أبيك وأمك . قال : ولم يفضل أبن سريج عليه إلا بالسبق ، وأما غير ذلك فلا .

الصفحة 248