كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
ومثل ذلك ما حكي عن الأحنف : أنه اعتم ونظر في المرآة ، فقالت له امرأته : كأنك قد هممت بخطبة امرأة قال : قد كان ذلك . قالت : فإذا فعلت فاعلم أن المرأة إلى رجلين أحوج من الرجل إلى امرأتين . فنقض عمته وترك ما كان قد هم به .
ذكر شيء من نوادر العميان
قال إبراهيم بن سيابة لبشار الأعمى : ما سلب الله من مؤمن كريمتيه إلا عوضه عنهما : إما الحفظ والذكاء ، وإما حسن الصوت . فما الذي عوضك الله عن عينينك ؟ قال : فقد النظر لبغيض ثقيل مثلك ونظير هذه الحكاية ما حكي عن بعضهم ، قال : خرجت ليلة من قرية لبعض شأني ، فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة وبيده سراج ، فلم يزل حتى انتهى إلى النهر ، وملأ جرته وعاد . قال : فقلت له : يا هذا ، أنت أعمى ، والليل والنهار عندك سواه ، فما تصنع بالسراج ؟ قال : يا كثير الفضول ، حملته لأعمى القلب مثلك ، يستضيء به لئلا يعثر في الظلمة ، فيقع علي ويكسر جرتي .
قالوا : بلغ أبا العيناء أن المتوكل يقول : لولا عمى أبي العيناء لاستكثرت منه ، فقال : قولوا لأمير المؤمنين : إن كان يريدني لرؤية الأهلة ونظم اللآلئ واليواقيت وقراءة نقوش الخواتيم ، فأنا لا أصلح لذلك ، وإن كان يريدني للمحاضرة والمنادمة والمذاكرة والمسامرة ، فناهيك بي . فانتهى ذلك إلى المتوكل فضحك منه ، وأمر بإحضاره ، فحضر ونادمه .