كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
وللغريض أخبارٌ مستظرفة وحكايات مستحسنة قد رأينا أن نثبت في هذا الموضع ما سنقف عليه إن شاء الله تعالى .
فمن ذلك ما حكاه أبو الفرج الأصبهاني في كتابه المترجم بالأغاني في أخبار الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي ، بعد أن ساق قطعة من أخباره مع عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، وأنه كان يهواها ويشبب بها في شعره ، ثم قال في أثناء ذلك : لما قدمت عائشة بنت طلحة مكة أرسل إليها الحارث وهو أمير مكة يومئذ ، وكان وليها من قبل عبد الملك بن مروان ، فأرسل إليها : إني أريد السلام عليك ؛ فإذا خف ذلك عليك أذنت ، وكان الرسول الغريض . فأرسلت إليه : إنا حرمٌ ، فإذا أحللنا أذناك . فلما أحلت خرجت سراً على بغلتها ، ولحقها الغريض بعسفان أو قريب منه ومعه كتاب الحارث إليها ، وفيه :
ما ضرّكم لو قلتم سدداً . . . إنّ المطايا عاجلٌ غدها ولها علينا نعمةٌ سلفت . . . لسنا على الأيام نجحدها
لو أتممت أسباب نعمتها . . . تمّت بذلك عندنا يدها
فلما قرأت الكتاب قالت : ما يدع الحارث باطله . ثم قالت للغريض : هل أحدثت شيئا ؟ قال : نعم فأسمعي ، ثم أندفع يغني في هذا الشعر . فقالت عائشة : والله ما قلنا إلا سدداً ولا أردنا إلا أن نشتري لسانه ؛ وأتسحسنت الشعر ، وأمرت للغريض بخمسة آلاف درهم وأثوابٍ ، وقالت : زدني . فغنى في قول الحارث أيضا حيث يقول :
زعموا بأنّ البين بعد غدٍ . . . فالقلب ممّا أحدثوا يجف
والعين منذ أجدّ بينهم . . . مثل الجمان دموعها تكف
نشكو وتشكو ما أشتّ بنا . . . كلٌّ بوشك البين معترف
ومقالها ودموعها سجمٌ . . . أقلل حنينك حين تنصرف