كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 251 """"""
فقالت عائشة : يا غريض ، بحقي عليك أهو أمرك أن تغنيني في هذا الشعر ؟ قال : لا وحياتك يا سيدتي ؛ فأمرت له بخمسة آلاف درهم ، ثم قالت : غنني في غير شعره ؛ فغناها بشعر عمر بن أبي ربيعة وكان عمر قد سأله ذلك فقال :
أجمعت خلّتي مع الهجر بينا . . . جلّل الله ذلك الوجه زينا
أجمعت بينها ولم نك منها . . . لذّة العيش والشباب قضينا
فتولّت حمولها وأستقلّت . . . لم تنل طائلاً ولم تقض دينا
ولقد قلت يوم مكّة لمّا . . . أرسلت تقرأ السلام علينا
أنعم الله بالرسول الذي أر . . . سل والمرسل الرسالة عينا
قال : فضحكت ثم قالت : وأنت يا غريض فأنعم الله بك عيناً وأنعم بأبن أبي ربيعة عينا ، لقد تلطفت حتى أديت إينا رسالته ، وإن وفاءك له لمما يزيدنا رغبةً فيك وثقةً بك . وكان عمر سأل الغريض أن يغنيها بشعره هذا لأنه كان قد ترك ذكرها لما غضبت بنو تيم من ذلك ، فلم يحب التصريح بها وكره إغفار ذكرها . فقال له عمر بن أبي ربيعة : إن أبلغتها هذه الأبيات في غناءٍ فلك خمسة آلاف درهم ، فوفي له ، وأمرت له عائشة بخمسة آلاف درهم . ثم أنصرف الغريض من عندها ، فلقي عاتكة بنت يزيد بن معاوية أمرأة عبد الملك بن مروان وقد كانت حجت في تلك السنة ؛ فقال لها جواريها : هذا الغريض . فقالت لهن : علي به ؛ فجئن به إليها . قال الغريض : فلما دخلت سلمت فردت علي وسألتني عن الخبر ، فقصصته عليها . فقالت : غنني بما غنيتها به ، ففعلت ؛ فلم أرها تهش لذلك ؛ فغنيتها معرضا ومذكرا بنفسي في شعر مرة بن محكان السعدي يخاطب أمرأته وقد نزل به أضياف :
أقول والضيف مخشيٌّ ذمامته . . . على الكريم وحقّ الضيف قد وجبا
يا ربّة البيت قومي غير صاغرةٍ . . . ضمّي إليك رحال القوم والقربا
في ليلةٍ من جمادى ذات أنديةٍ . . . لا يبصر الكلب في ظلمائها الطّنبا
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة . . . حتى يلفّ على خيشومه الذّنبا

الصفحة 251