كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 256 """"""
وجل سيخزيه بعدك ، ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب . قالت : وفي أي شيء غضبه ؟ قال : من أمتناعك عليه وقد ظن أنك تبغضينه وتتطلعين إلى غيره ، فقد جن . فقالت : أنشدك الله إلا عاودته . قال : أخاف أن يقتلني ؛ فبكت وبكى جواريها . فقال لها : قد رققت لك وحلف لها إنه يغرر بنفسه ، وقال لها : فما أقول ؟ قالت : تضمن له عني أني لا أعود أبداً . قال : فمالي عندك ؟ قالت : قيامٌ بحقك ما عشت . قال : فأعطيني المواثيق فأعطته . فقال للأسودين : مكانكما . أتى مصعباً فأخبره . فقال : أستوثق منها بالأيمان ؛ فأستوثق منها ففعلت ، وصلحت بعد ذلك لمصعب .
قال : وكان مصعب من أشد الناس إعجاباً بها . ولم يكن لها شبيه في زمانها حسنا وديانةً وجمالا وهيئةً وشارةً وعفة ، وإنها دعت يوماً نسوةً من قريش ، فلما جئنها أجلستهن في مجلس قد نضد فيه الريحان والفواكه والطيب والمجامر ، وخلعت على كل أمرأة منهن خلعة من الوشي والحز ونحو ذلك ، ودعت عزة الميلاء ففعلت بها مثل ذلك وأضعفته ؛ ثم قالت لعزة : هات يا عزة فغنينا . فغنتهن في شعر أمرئ القيس فقالت :
وثغر أغرّ شنيب اللّثات . . . لذيذ المقبّل والمبتسم
وما ذقته غير ظنٍّ به . . . وبالظنّ يقضي عليك الحكم
وكان مصعب قريباً منهن ومعه إخوانٌ له ، فقام فأنتقل حتى دنا منهن والستور مسبلةٌ ، فصاح بها : يا هذه ، إنا قد ذقناه فوجدناه على ما وصفت ، فبارك الله فيك يا عزة . ثم أرسل إلى عائشة : أما أنت فلا سبيل لنا إليك مع من عندك ، وأما عزة فتأذنين لها أن تغنينا هذا الصوت ثم تعود إليك ، ففعلت وخرجت عزة إليهم فغنتهم هذا الصوت مراراً ، وكاد مصعب أن يذهب عقله فرحا . ثم قال لها : يا عزة ، إنك لتحسنين القول والوصف ، وأمرها بالعود إلى مجلسها . قال : ولم تزل عند مصعب حتى قتل عنها . فخطبها بشر بن مروان ، وقدم عمر أبن عبيد الله بن معمر التيمي من الشام فنزل الكوفة ، فبلغه أن بشراً خطبها ،

الصفحة 256