كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 257 """"""
فأرسل إليها جارية لها وقال : قولي لأبنة عمي : ابن عمك يقرئك السلام ويقول لك : أنا خير لك من هذا المبسور المطحول ، وأنا أبن عمك أحق بك ، وإن تزوجت بك ملأت بيتك خيراً . فتزوجته فبني عليها بالحيرة ، فمهدت له سبعة أفرشة عرضها أربع أذرع ؛ فأصبح ليلة بني بها عن تسعة . فلقيته مولاة لها فقالت : أبا حفص ، فديتك ؟ قد كملت في كل شيء حتى في هذا . وقيل إنه لما تزوجها حمل إليها ألف ألف درهم ، خمسمائة ألف مهر ، وخمسمائة ألف هدية ، وقال لمولاتها : لك علي ألف دينار إن دخلت بها الليلة ، وأمر بالمال فحمل فألقي في الدار وغطى بالثياب ؛ وخرجت عائشة فقالت لمولاتها : ما هذا ؟ أفرشٌ أم ثيابٌ ؟ قالت : انظري إليه ؛ فنظرت فإذا هو مال ، فتبسمت . فقالت الجارية : أجزاء من حمل هذا المال أن يبيت عزبا قالت : لا والله ، ولكن لا يجوز دخوله إلا بعد أن أتزين له وأستعد . قالت : وماذا ؟ فوالله لوجهك أحسن من كل زينة وما تمدين يديك إلى طيب أو ثوب أو مال أو فراش إلا وهو عندك ، وقد عزمت عليك أن تأذني له . فقالت : أفعلي . فذهبت إليه فقالت له : بت بنا الليلة . فجاءهم عند العشاء الآخرة فأدني إليه طعام فأكل الطعام كله حتى أعرى الخوان وغسل يده وسأل عن المتوضأ فأخبر به ، فقام فتوضأ وقام يصلي حتى ضاق صدري ونمت ، ثم قال : أعليكم آذن ؟ قلت : نعم فأدخل ، فأدخلته وأسبلت الستر عليهما . فلما أصبحنا وقفت على رأسه فقال : أتقولين شيئا ؟ قلت : نعم والله ما رأيت مثلك فضحك وضرب بيده على منكب عائشة وقال لها : كيف رأيت أبن عمك ؟ فضحكت وغطت وجهها وقالت :
قد رأيناك فلم تحل لنا . . . وبلوناك فلم نرض الخبر
ومكثت عائشة عند عمر بن عبيد الله ثماني سنين حتى مات سنة أثنتين وثمانين . ولما مات ندبته قائمةً ، ولم تندب أحداً قبله من أزواجها إلا جالسة . فقيل لها في ذلك فقالت : إنه كان أكرمهم علي وأمسهم بي رحماً ، فأردت ألا أتزوج بعده . وكانت المرأة إذا ندبت زوجها قائمةً لا تتزوج بعده أبدا . ولم تتزوج عائشة بنت طلحة بعد زوجها عمر بن عبيد الله .