كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 263 """"""
فقال : أعد بحياتي فأعاده ؛ فقام فأكب عليه ، فلم يبق عضوٌ من أعضائه إلا قبله ؛ ثم نزع ثيابه فألقاها عليه وبقي مجردا إلى أن أتوه بمثلها ، ووهب له ألف دينار وحمله على بغلة وقال : أركبها بأبي أنت وأنصرف ، فقد تركتني على مثل المقلى من حرارة غنائك . فركبها على بساطه وأنصرف .
وحكى أيضا أن أبن عائشة أنصرف من عند الوليد وقد غناه :
أبعدك معقلاً أرجو وحصناً . . . قد أعيتني المعاقل والحصون
فأمر له بثلاثين ألف درهم وبمثل كارة القصار كسوةً . فبينا أبن عائشة يسير إذ نظر إليه رجلٌ من أهل وادي القرى ، وكان يشتهي الغناء ويشرب النبيذ ، فقال لغلامه : من هذا الراكب ؟ قال : أبن عائشة المغني ، فدنا منه فقال : جعلت فداءك أنت أبن عائشة أم المؤمنين ؟ قال : لا أنا مولىً لقريش وعائشة أمي ، وحسبك هذا . قال : وما هذا الذي أراه بين يديك من المال والكسوة ؟ قال : غنيت أمير المؤمنين صوتا فأطربه فكفر وترك الصلاة وأمر لي بهذا المال وهذه الكسوة . قال : جعلت فداءك فهل تمن علي أن تسمعني ما أسمعته إياه ؟ فقال : ويلك أمثلي يكلم بهذا في الطريق قال : فما أصنع ؟ قال : ألحقني بالباب . وحرك أبن عائشة بغلته لينقطع عنه ، فعدا معه حتى وافيا الباب كفرسي رهانٍ . ودخل أبن عائشة فمكث طويلا طمعاً ان يضجر فينصرف ، فلم يفعل حتى أعياه . فقال لغلامه : أدخله ، فلما دخل ، قال له : ويلك من أين صبك الله علي قال : أنا رجل من أهل وادي القرى أشتهي هذا الغناء . فقال له : هل لك فيما هو أنفع لك منه ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : مائتا دينار وعشرة أثواب تنصرف بها إلى أهلك . فقال له : جعلت فداءك والله إن لي بنيةً ما في أذنها علم الله حلقةٌ من الورق فضلا عن الذهب ، وإن لي زوجةً ما عليها شهد الله قميصٌ ، ولو أعطيتني جميع ما أمر لك به أمير المؤمنين على هذه الحالة والفقر اللذين عرفتكهما وأضعفت لي هذا لكان الصوت أعجب إلي . فتعجب أبن عائشة وغناه الصوت ، فجعل يحرك رأسه ويطرب له طرباً شديدا حتى ظن أن عنقه

الصفحة 263