كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 264 """"""
ستنقصف ؛ ثم خرج من عنده ولم يرزأه شيئا . وبلغ الخبر الوليد بن يزيد ، فسأل أبن عائشة عنه ، فجعل يغيب عن الحديث ؛ فلم يزل به حتى صدقه الحديث ، طلب الرجل ، فطلب حتى أحضر إليه ووصله صلةً سنيةً وجعله من ندمائه ووكله بالسقي ؛ فلم يزل معه حتى قتل رحمه الله .
وعن علي بن الجهم الشاعر قال : حدثني رجل أن أبن عائشة كان واقفا بالموسم مهجرا . فمر به بعض أصحابه فقال : ما يقيمك ها هنا ؟ قال : إني أعرف رجلا لو تكلم لحبس الناس ها هنا فلم يذهب أحدٌ ولم يجئ . فقال له الرجل : ومن ذاك ؟ قال : أنا ؛ ثم أندفع يغني : جرت سنحاً فقلت لها أجيزي . . . نوىً مشمولةً فمتى اللّقاء
بنفسي من تذكّره سقامٌ . . . أعانيه ومطلبه عناء
قال : فحبس الناس وأضطربت المحامل ومدت الإبل أعناقها ، فكادت الفتنة أن تقع . فأتي به هشام بن عبد الملك ، فقال له : يا عدو الله ؟ أردت أن تفتن الناس ؟ قال : فأمسك عنه وكان تياهاً ؛ فقال له هشام : ارفق بتيهك . فقال : يحق لمن كانت هذه مقدرته على القلوب أن يكون تياها ؟ فضحك هشامٌ وخلى سبيله .
وأختلف في وفاة أبن عائشة وسببها . فقيل : كانت وفاته في أيام هشام بن عبد الملك ، وقيل : في أيام الوليد بن يزيد وهو أشبه ، لأنه قد تقدم أنه نادم الوليد وغناه . والذي يقول : إنه توفي في أيام هشام يزعم أنه نادم الوليد في أيام ولايته العهد . وكانت وفاته بذي خشبٍ ، وهو على أميال من المدينة . قيل : كان سبب وفاته أن الغمر بن يزيد خرج إلى الشام ؛ فلما نزل قصر ذي خشبٍ جلس على سطحه ، فغنى أبن عائشة صوتاً طرب له الغمر ، فقال : أعده فأبى ، وكان لا يردد صوتا لسوء خلقه . فأمر به فطرح من أعلى السطح فمات . وقيل : بل قام من الليل يبول وهو سكران فسقط من السطح فمات . وقيل : بل كان قد رجع من عند الوليد بن يزيد ، فلما قرب من المدينة نزل بذي خشب ، وكان والي المدينة إبراهيم بن هشام المخزومي وكان في قصره هناك ، فدعاه فأقام عنده ذلك اليوم . فلما أخذوا في الشرب

الصفحة 264