كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 281 """"""
ذكر أخبار ابن جامع
هو أبو القاسم إسماعيل بن جامع بن عبد الله بن المطلب بن أبي وداعة أبن صبيرة بن سهم بن هصيص بن كعب بن لؤي . قالوا : وكان أبن جامع من أحفظ خلق الله لكتاب الله تعالى ، كان يخرج من منزله مع الفجر يوم الجمعة فيصلي الصبح ثم يصف قدميه حتى تطلع الشمس ، فلا يصلي الناس الجمعة حتى يختم القرآن ثم ينصرف إلى منزله . وكان حسن السمت ، كثير الصلاة . وكان يعتم بعمامة سوداء على قلنسوة ويلبس لباس الفقهاء ويركب حماراً مريسياً في زي أهل الحجاز . وروي عنه أنه قال : لولا أن القمار وحب الكلاب قد شغلاني لتركت المغنين لا يأكلون الخبز . قال أبن جامع : أخذت من الرشيد بيتين غنيته إياهما عشرة آلاف دينار . قالوا : وكان إبراهيم بن المهدي يفضل أبن جامع فلا يقدم عليه أحدا . قال : وكان أبن جامع منقطعاً إلى موسى الهادي في أيام أبيه ، فضربه المهدي وطرده . فلما مات المهدي بعث الفضل بن الربيع إلى مكة فأحضر أبن جامع في قبة ولم يعلم به أحدا . فذكره موسى الهادي ذات ليلةٍ فقال لجلسائه : أما فيكم أحدٌ يرسل إلى أبن جامع وقد عرفتم موقعه مني ؟ فقال الفضل بن الربيع : هو والله عندي يا أمير المؤمنين وأحضره إليه . فوصل الفضل في تلك الليلة بعشرة آلاف دينار وولاه حجابته .
وحكى أنه دخل على الهادي فغناه فلم يعجبه ؛ فقال له الفضل : تركت الخفيف وغنيت الثقيل . قال : فأدخلني عليه أخرى فأدخله ؛ فغناه الخفيف ، فأعطاه ثلاثين ألف دينار . قال أحمد بن يحيى المكي : كان أبن جامع أحسن ما يكون غناءً إذا حزن . وأحب الرشيد أن يسمع ذلك ، فقال للفضل بن الربيع : ابعث بخريطة فيها نعى أم أبن جامع وكان براً بأمه ففعل . فقال الرشيد : يا أبن جامع ، في هذه الخريطة نعى أمك ؛ فأندفع أبن جامع يغني بتلك الحرقة والحزن الذي في قلبه :
كم بالدروب وأرض السّند من قدم . . . ومن جماجم صرعى ما بها قبروا
بقدنرهار ومن تكتب منيّته . . . بقندهار يرجّم دونه الخبر