كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 283 """"""
وأصحابه . وفيه يقول الشاعر :
أحسن الناس فأعلموه غناءً . . . رجلٌ من بني أبي الكنات
قال محمد بن عبد الله بن فروة : قلت لإسماعيل بن جامع يوماً : هل غلبك أحدٌ من المغنين قط ؟ قال : نعم ، كنت ليلة ببغداد إذ جاءني رسول أمير المؤمنين هارون الرشيد فأمرني بالركوب ، فركبت حتى صرت إلى الدار ، فإذا أنا بالفضل بن الربيع ومعه زلزل العواد وبرصوما ؛ فسلمت وجلست يسيرا . فطلع خادمٌ فقال للفضل : هل جاء ؟ قال لا . قال : فابعث إليه . ولم يزل المغنون يدخلون واحداً واحداً حتى كنا ستةً أو سبعةً . ثم طلع الخادم فقال : هل جاء ؟ فقال لا ؛ فقال : قم فابعث في طلبه ؛ فقام فغاب غير طويلٍ فإذا هو قد جاء بعمرو بن أبي الكنات . فسلم وجلس إلى جنبي ، فقال لي : من هؤلاء ؟ قلت : مغنون ، هذا زلزلٌ وهذا برصوما . فقال : لأغنينك غناءً يخرق هذا السقف وتجيبه الحيطان . ثم طلع الخصى فدعا بكراسي ، وخرج الجواري . فلما جلسن قال الخادم : شدوا فشدوا عيدانهم ؛ ثم قال : يغني أبن جامع ، فغنيت سبعة أو ثمانية أصوات ؛ قال : أسكت ، وليغن إبراهيم الموصلي ؛ فغنى مثل ذلك أو دونه ثم سكت ، وغنى القوم كلهم واحدا بعد واحد حتى فرغوا . ثم قال لأبن أبي الكنات : غن ؛ فقال لزلزل : شد طبقتك فشدح ثم قال له : شد فشد ، ثم أخذ العود من يده فجسه حتى وقف على الموضع الذي يريده ، ثم قال : على هذا . وأبتدأ الصوت الذي أوله ألالا ؛ فوالله لقد خيل إلأي أن الحيطان تجاوبه ؛ ثم رجع النغمة فيه ؛ فطلع الخصى فقال : أسكت لا تتم الصوت فسكت . ثم قال : يجلس عمرو بن أبي الكنات وينصرف سائر المغنين ؛ فقمنا بأسوأ حال وأكسف بال ، ولا والله ما زال كل واحد منا يسأل صاحبه عن كل ما يرويه من الغناء الذي أوله ألالا طمعاً في أن يعرفه وأن يوافق غناءه فما عرفه منا أحدٌ . وبات عمرو عند الرشيد ليلته وأنصرف من عنده بجوائز وصلاتٍ وطرفٍ سنية .
وقال موسى بن أبي المهاجر : خرج أبن جامع وأبن أبي الكنات حين دفع الإمام من عرفة ، حتى إذا كانوا بين المأزمين جلس عمرو على طرف الجبل ثم أندفع يغني ، فركب الناس بعضهم بعضاً حتى صاحوا به وأستغاثوا : يا هذا ، الله الله

الصفحة 283