كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 284 """"""
أسكت عنا يجز الناس ؛ فضبط أبن جامع بيده على فيه حتى مضى الناس إلى مزدلفة . قال علي بن الجهم : حدثني من أثق به قال : واقفت أبن أبي الكنات على جسر بغداد أيام الرشيد فحدثته بحديث أتصل بي عن أبن عائشة أنه وقف في الموسم في أيام هشام ، فمر به بعض أصحابه فقال : ما تصنع ؟ فقال : إني لأعرف رجلا لو تكلم لحبس الناس فلم يذهب منهم أحدٌ ولم يجيء . فقلت له : من هذا الرجل ؟ قال : أنا ، ثم أندفع فغنى فحبس الناس ، فأضطربت المحامل ومدت الإبل أعناقها . فقال أبن أبي الكنات وكان معجبا بنفسه : أنا أفعل كما فعل وقدرتي على القلوب أكثر من قدرته . ثم أندفع فغنى الصوت الذي غنى فيه أبن عائشة ، وهو :
جرت سنحاً فقلت لها أجيزي . . . نوىً مشمولةً فمتى اللّقاء
بنفسي من تذكرّه سقامٌ . . . أعالجه ومطلبه عناء
قال : فغناه ، وكنا إذ ذاك على جسر بغداد ، وكان على دجلة ثلاثة جسور ، فأنقطعت الطرق وأمتلأت الجسور بالناس فأزدحموا عليها وأضطربت حتى خيف عليها أن تنقطع لثقل من عليها من الناس . فأخذ فأتي به الرشيد ؛ فقال له : يا عدو الله ، أردت أن تفتن الناس قال : لا والله يا أمير المؤمنين ولكنه بلغني أن أبن عائشة فعل مثل هذا في أيام هشام ، فأحببت أن يكون في أيامك مثله . فأعجبه ذلك ، وأمر له بمال وأمره أن يغني فغنى ؛ فسمع شيئا لم يسمع مثله ، فأحتبسه عنده شهرا يستزيده ، وكل يوم يستأذن له في الأنصراف فلا يأذن له حتى تمم شهرا ، وأنصرف بأموال جسيمة .
وقال عثمان بن موسى : كنا على شراب يوما ومعنا عمرو بن أبي الكنات إذ قال لنا قبل طلوع الشمس : من تحبون أن يجيئكم ؟ قلنا : منصور الحجبي . فقال : أمهلوا حتى يكون الوقت الذي ينحدر فيه إلى سوق البقر ، فمكثنا ساعةً ثم أندفع