كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 285 """"""
يغني :
أحسن الناس فأعلموه غناءً . . . رجلٌ من بني أبي الكنّات
عفت الدّار فالهضاب اللّواتي . . . بين ثور فملتقى عرفات
فلم نلبث أن رأينا منصوراً من بعد قد أقبل يركض دابته نحونا . فلما جلس إلينا قلت له : من أين علمت بنا ؟ قال : سمعت صوت عمرو وأنا في سوق البقر ، فخرجت أركض دابتي حتى صرت إليكم . قال : وبيننا وبين ذلك الموضع ثلاثة أميال .
وقال يحيى بن يعلى بن سعيد : بينا أنا ليلةً في منزلي في الرمضة بأسفل مكة ، إذ سمعت صوت عمرو بن أبي الكنات كأنه معي ، فأمرت الغلام فأسرج لي دابتي وخرجت أريده ، فلم أزل أتبع الصوت حتى وجدته جالساً على الكثيب العارض ببطن عرفة يغني :
خذي العفو منّي تستديمي مودّتي . . . ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقرة الدّفّ مرّةً . . . فإنّك لا تدرين كيف المغيّب
فإني رأيت الحبّ في الصدر والأذى . . . إذا أجتمعا لم يلبث الحب يذهب
ذكر أخبار أبي المهنأ مخارق
هو أبو المهنأ مخارق بن يحيى بن ناووس الجزار مولى الرشيد . وقيل : بل ناووس لقب أبيه يحيى ؛ وإنما لقب بناووس لأنه بايع رجلا أنه يمضي إلى ناووس الكوفة فيطبخ فيه قدرا بالليل حتى تنضج ، فطرح رهنه بذلك ؛ فدس الرجل الذي راهنه رجلا فألقى نفسه في الناووس بين الموتى . فلما فرغ ناووس من الطبخ مد الرجل يده من بين الموتى وقال له : أطعمني ؛ فغرف بالمغرفة من المرق وصبها في يد الرجل فأحرقها وضربها بالمغرفة وقال له : اصبر حتى نطعم الأحياء أولا ثم نتفرغ للموتى ؛ فلقب ناووساً لذلك .