كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 286 """"""
قال : وكان مخارقٌ لعاتكة بنت شهدة ، وهي من المغنيات المحسنات المتقدمات في الضرب . نشأ مخارقٌ بالمدينة ؛ وقيل : كان منشؤه بالكوفة . وكان أبوه جزاراً مملوكا ، وكان مخارقٌ وهو صبي ينادي على ما يبيعه أبوه من اللحم . فلما بان طيب صوته علمته مولاته طرفاً من الغناء ، ثم أرادت بيعه ، فأشتراه إبراهيم الموصلي منها وأهداه للفضل بن يحيى ، فأخذه الرشيد منه ثم أعتقه . وقيل : أشتراه إبراهيم من مولاته بثلاثين ألف درهم وزادها ثلاثة آلاف درهم . قال : ولما أشتراه قال له الفضل بن يحيى : ما خبر غلام بلغني أنك أشتريته ؟ فقال : هو ما بلغك . قال : فأرنيه ، فأحضره ، فغنى بين يديه ؛ فقال له : ما أرى فيه الذي رأيت . قال : تريد أن يكون في الغناء مثلي في ساعةٍ واحدةٍ فقال : بكم تبيعه ؟ قال : أشتريته بثلاثين ألف درهم ، وهو حر لوجه الله تعالى إن بعته إلا بثلاثة وثلاثين ألف دينار . فغضب الفضل وقال : إنما أردت ألا تبيعه أو تجعله سببا لأن تأخذ مني ثلاثة وثلاثين ألف دينار . فقال إبراهيم : أنا أصنع بك خصلة واحدة ، أبيعك نصفه بنصف هذا المال وأكون شريكك في نصفه وأعلمه ، فإن أعجبك إذا علمته أتممت لي باقي المال وإلا بعته بعد ، وكان الربح بيني وبينك . فقال الفضل : إنما أردت أن تأخذ مني المال الذي قدمت ذكره ، فلما لم تقدر على ذلك أردت أن تأخذ نصفه ، وغضب . فقال إبراهيم له : فأنا أهبه لك على أنه يساوي ثلاثة وثلاثين ألف دينار ؛ قال : قد قبلته ؛ قال : وقد وهبته لك . وغدا إبراهيم على الرشيد ؛ فقال له : يا إبراهيم ، ما غلامٌ بلغني أنك وهبته للفضل ؟ قال : غلام يا أمير المؤمنين لم تملك العرب ولا العجم مثله ، ولا يكون مثله أبدا . قال : فوجه إلى الفضل يأمره بإحضاره . فوجه به إليه ، فغنى بين يديه ؛ فقال له : كم يساوي ؟ قال إبراهيم : يساوي خراج مصر وضياعها . قال : ويحك أتدري ما تقول مبلغ هذا المال كذا وكذا قال : وما مقدار هذا المال في غلام لم يملك أحدٌ مثله قط قال : فالتفت الرشيد إلى مسرور الكبير وقال : قد عرفت يميني أني لا أسأل أحداً من البرامكة شيئا فقال مسرور :