كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 288 """"""
وقد روى أبو الفرج الأصفهاني عن هارون بن مخارق ، قال : كان أبي إذا غنى هذا الصوت :
يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا . . . زدت الفؤاد على علاّته وصبا
ربعٌ تبدّل ممن كان يسكنه . . . عفر الظباء وظلماناً به عصبا يبكي ويقول : أنا مولى هذا الصوت . فقلت له : كيف يا أبت ؟ فقال : غيته مولاي الرشيد ، فبكى وشرب عليه رطلا ثم قال : أحسنت يا مخارق فسلني حاجتك ؛ فقلت : تعتقني يا أمير المؤمنين أعتقك الله من النار ؛ فقال : أنت حرٌ لوجه الله تعالى ، فأعد الصوت فأعدته ؛ فبكى وشرب رطلا ، ثم قال : أحسنت يا مخارق فسلني حاجتك ؛ فقلت : ضيعةٌ تقيمني غلتها ؛ فقال : قد أمرت لك بها ، أعد الصوت فأعدته ؛ فبكى وقال : سل حاجتك ؛ فقلت : يا أمير المؤمنين ، تأمر لي بمنزل وفرسٍ وخادمٍ ؛ فقال : ذلك لك ، أعد الصوت فأعدته ؛ فبكى وقال : سل حاجتك ؛ فقبلت الأرض بين يديه وقلت : حاجتي أن يطيل الله بقاءك ويديم عزك ويجعلني من كل سوءٍ فداءك ؛ فأنا مولى هذا الصوت بعد مولاي .
ويروى أيضاً عن الحسين بن الضحاك عن مخارق أن الرشيد قال يوما للمغنين وهو مصطبح : من منكم يغني :
يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا
فقمت وقلت : أنا يا أمير المؤمنين . فقال : هاته ؛ فغنيته فطرب وشرب ثم قال : علي بهرثمة ؛ فقلت في نفسي : ماذا يريد منه فجاء هرثمة فقال له : مخارق الشاري الذي قتلناه بنواحي الموصل ما كانت كنيته ؟ فقال : أبو المهنأ ؛ فقال : أنصرف فانصرف ؛ ثم أقبل الرشيد علي فقال : قد كنيتك أبا المهنأ لإحسانك ؛ وأمر لي بمائة ألف درهم ؛ فأنصرفت بها وبالكنية .
قال أبو عبد الله بن حمدون : كنا عند الواثق وأمه عليلةٌ . فلما صلى المغرب دخل إليها وأمر ألا نبرح ، فجلسنا في صحن الدار ، وكانت ليلةً مقمرةً وأبطأ الواثق

الصفحة 288