كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 290 """"""
وقال أبو الفرج عن عمر بن شبة قال : حدثني بعض آل نوبخت قال : كان أبي وعبد الله بن أبي سهل وجماعةٌ من آل نوبخت وغيرهم وقوفا بكناسة الدواب في الجانب الغربي ببغداد يتحدثون ، وإنهم لكذلك إذ أقبل مخارقٌ على حمار أسود وعليه قميصٌ رقيقٌ ورداءٌ مسهم ؛ فقال : فيم كنتم ؟ فأخبروه . فقال : دعونا من وسواسكم هذا ، أي شيء لي عليكم إن رميت بنفسي بين قبرين من هذه القبور وغطيت وجهي وغنيت صوتا فلم يبق أحد بهذه الكناسة ولا في الطريق من مشتر ولا بائع ولا صادرٍ ولا وارد إلا ترك عمله وقرب مني واتبع صوتي ؟ فقال عبد الله : إني لأحب أن أرى هذا ، فقل ما شئت . فقال مخارق : فرسك الأشقر الذي طلبته منك فمنعتنيه . قال : هو لك إن فعلت ما قلت . قال : فرمى بنفسه بين قبرين وتغطى بردائه ، ثم أندفع يغني بشعر أبي العتاهية :
نادت بوشك رحيلك الأيّام . . . أفلست تسمع أم بك أستصمام
ومضى أمامك من رأيت وأنت لل . . . باقين حتى يلحقوك أمام
مالي أراك كأنّ عينك لا ترى . . . عبراً تمرّ كأنهنّ سهام
تمضي الخطوب وأنت منتبهٌ لها . . . فإذا مضت فكأنها أحلام
قال : فرأيت الناس يأتون إلى المقبرة أرسالا بين راكبٍ وراجل وصاحب شغل ومار في الطريق حتى لم يبق أحد . ثم قال لنا من تحت ردائه : هل بقي أحدٌ ؟ قلنا : لا ، وقد وجب الرهن . فقام فركب حماره ، وعاد الناس إلى صنائعهم ؛ وقال لعبد الله : أحضر الفرس ؛ قال : على أن تقيم عندي ؛ قال نعم ؟ فسلم الفرس إليه وبره وأحسن رفده .
وروى عن يحيى المكي قال : خرج مخارقٌ مع بعض إخوانه إلى بعض المتنزهات ، فنظر إلى قوس مذهبة مع بعض من خرج معه ، فسأله إياها ، وكان المسئول ضن بها ، وسنحت ظباءٌ بالقرب منه ؛ فقال لصاحب القوس : أرأيت

الصفحة 290