كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 291 """"""
إن تغنيت صوتا فعطفت علي به خدود هذه الظباء أتدفع إلي القوس ؟ قال نعم فاندفع يغني :
ماذا تقول الظباء . . . أفرقةً أم لقاء
أم عهدها بسليمى . . . وفي البيان شفاء
مرّت بناسانحاتٍ . . . وقد دنا الإمساء
فما أحارت جوابا . . . وطال فيها العناء
قال : فعطفت الظباء راجعةً إليه حتى وقفت بالقرب منه تنظر إليه مصغيةً إلى صوته . فعجب من حضر من رجوعها ووقوفها ؛ وناوله الرجل القوس ، فأخذها وقطع الغناء فعاودت الظباء نفارها ومضت راجعةً على سننها .
وروى عن إسحاق بن إبراهيم قال : دخلت على أبي وهو جالسٌ بين بابين له ومخارقٌ بين يديه وهو يغنيه :
يا ربع بشرة إن أضرّبك البلى . . . فلقد رأيتك آهلاً معمورا
قال : فرأيت أبي ودموعه تجري على خديه من أربعة أماكن وهو ينشج أحر نشيج . فلما رآني قال : يا إسحاق ، هذا والله صاحب اللواء غداً إن مات أبوك .
وروى عن مخارق قال : رأيت وأنا حدثٌ كأن شيخا جالسا على سرير في روضة حسنة ، فدعاني فقال لي : غنني يا مخارق ؛ فقلت : أصوتاً تقترحه أو ما حضر ؟ فقال : ما حضر . فغنيته :
دعى القلب لا يزدد خبالاً مع الذي . . . به منك أو داوى جواه المكتّما
وليس بتزويق اللسان وصوغه . . . ولكنّه قد خالط اللّحم والدّما
فقال لي : أحسنت يا مخارق ثم أخذ وترا من أوتار العود فلفه على المضراب ودفعه إلي ، فجعل المضراب يطول ويغلظ والوتر ينتشر ويعرض حتى صار المضراب كالرمح والوتر كالعذبة عيه وصار في يدي علماً ، ثم أنتبهت فحدثت