كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 295 """"""
بحديثك الحسن الذي لو كلّمت . . . وحش الفلاة به لجئن سراعا
وإذا مررت على البهار منضّداً . . . في السوق هيّج لي إليك نزاعا
والله لو علم البهار بأنها . . . أضحت سميّته لصار ذراعا
فقال : اصبت وأحسنت ، سل حاجتك ؛ فقلت : يا أمير المؤمنين ، تأمر بأن يملأ هذا الكانون دراهم وكان بين يديه كانون عظيم فأمر به فملئ فوسع ثلاثين ألف درهم . فلما حصلتها قال لي : يا ناقص الهمة ، والله لو سألت أن أملأه لك دنانير لفعلت . فقلت : أقلني يا أمير المؤمنين . قال : لا سبيل إلى ذلك ولم يسعدك الجد به . وقد رويت هذه الحكاية في موضع آخر ، وذكر أن الذي غناه غير هذا الشعر ، وأن الكانون وسع ست بدر ، فدفعها إليه .
ذكر أخبار يزيد حوراء
هو رجل من أهل المدينة من موالي بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ؛ ويكنى أبا خالد . مغن محسنٌ كثير الصنعة ، من طبقة أبن جامع وإبراهيم الموصلي . وكان ممن قدم على المهدي في خلافته فغناه . وكان حسن الصوت حلو الشمائل . فحسده إبراهيم الموصلي على شمائله وإشاراته في الغناء ، فاشترى عدة جوار وشاركه فيهن ، وقال له : علمهن ، فما رزق الله تعالى من ربح فيهن فهو بيننا . وأمرهن أن يجعلن وكدهن أخذ إشارته ففعلن ذلك . فكان إبراهيم يأخذها عنهن هو وأبنه ويأمرهن بتعليم كل من يعرفنه ذلك حتى شهرها في الناس ، فأبطل عليه ما كان منفرداً به من ذلك .
قال عبد الله بن العباس الربيعي : كان يزيد حوراء نظيفاً ظريفاً حسن الوجه شكلاً ، لم يقدم علينا من الحجاز أنظف منه ولا أشكل ، وما كنت تشاء أن ترى خصلةً جميلة لا تراها في أحد منهم إلا رأيتها فيه . وكان يتعصب لإبراهيم الموصلي على أبن جامع ، فكان إبراهيم يرفع منه ويشيع ذكره بالجميل وينبه على مواضع تقدمه وإحسانه ، ويبعث بأبنه إسحاق إليه يأخذ عنه .

الصفحة 295