كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 296 """"""
وحكى أبو الفرج بسندٍ رفعه إلى يزيد حوراء قال : كلمني أبو العتاهية في أن أكلم المهدي في عتبة ؛ فقلت : إن الكلام لا يمكنني ، ولكن قل شعراً أغنيه به ؛ فقال :
نفسي بشيء من الدنيا معلّقةٌ . . . الله والقائم المهديّ يكفيها
إني لأيأس منها ثم يطمعني . . . فيها أحتقارك للدّنيا وما فيها
قال : فعملت فيه لحناً وغنيته . فقال : ما هذا ؟ فأخبرته خبر أبي العتاهية ؛ فقال : ننظر فيما سأل ؛ فأخبرت بذلك أبا العتاهية . ثم مضى شهر فجاءني فقال : هل حدث خبرٌ ؟ قلت لا . قال : فأذكرني للمهدي . فقلت : إن أحببت ذلك فقل شعرا تحركه به وتذكره وعده حتى أغنيه به ؛ فقال :
ليت شعري ما عندكم ليت شعري . . . فلقد أخّر الجواب لأمر
ما جوابٌ أولى بكل جميلٍ . . . من جوابٍ يردّ من بعد شهر
قال يزيد : فغنيت المهدي ، فقال : علي بعتبة فأحضرت ؛ فقال : إن أبا العتاهية كلمني فيك ، فما تقولين ولك عندي وله ما تحبان مما لا تبلغه أمانيكما ؟ فقالت : قد علم أمير المؤمنين ما أوجب الله علي من حق مولاتي ، وأريد أن أذكر هذا لها . قال : فأفعلي . قال : فأعلمت أبا العتاهية . ومضت أيام فسألني معاودة المهدي ؛ فقلت : قد عرفت الطريق ، فقل ما شئت حتى أغنيه به ؛ فقال :
أشربت قلبي من رجائك ما له . . . عنقٌ يخبّ إليك بي ورسيم
وأملت نحو سماء جودك ناظري . . . أرعى مخايل برقها وأشيم
ولقد تنسّمت الرّياح لحاجتي . . . فإذا لها من راحتيك نسيم
ولربما أستيأست ثم أقول لا . . . إن الذي وعد النّجاح كريم

الصفحة 296