كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
فاشتهى سالم أن يأكل مع بناته فخرج إلى البستان ، فجاء أشعب إلى منزل سالم على عادته ، فأخبر بالقصة ، فاكترى جملاً بدرهم وجاء إلى البستان . فلما حاذى الحائط وثب فصار عليه ، فغطى سالم بناته بثوبه وقال : بناتي بناتي فقال أشعب : " لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد " . قال أشعب : جاءتني جارية بدينار وقالت : هذا وديعة عندك ، فجعلته بين ثني الفراش . فجاءت بعد أيام وقالت : بأبي أنت الدينار ، فقلت ارفعي فراشي وخذي ولده فإنه قد ولد ، وكنت قد تركت إلى جنبه درهماً ، فأخذت الدرهم وتركت الدينار . وعادت بعد أيام فوجدت معه درهماً آخر فأخذته ، وفي الثالثة كذلك . وجاءت في الرابعة ، فلما رأيتها بكيت ، فقالت : ما يبكيك ؟ قلت : مات دينارك في النفاس . فقالت : وكيف يكون للدينار نفاس ؟ قلت : يا فاسقة تصدقين بالولادة ولا تصدقين النفاس .
ومن أخباره المستظرفة ما حكاه المدائني ، قال : قال أشعب : تعلقت بأستار الكعبة فقلت : اللهم أذهب عني الحرص والطلب إلى الناس ، فمررت بالقرشيين وغيرهم فلم يعطني أحد شيئاً . فجئت إلى أمي ، فقالت : مالك قد جئت خائباً ؟ فأخبرتها بذلك ، فقالت : والله لا تدخل حتى ترجع فتستقيل ربك فرجعت فجعلت أقول : يا رب أقلني ، ثم رجعت ، فما مررت بمجلس لقريش ولا غيرهم إلا أعطوني ، ووهب لي غلام ، فجئت إلى أمي بجمال موقورة من كل شيء . فقالت : ما هذا الغلام ؟ فخفت أن أخبرها فتموت فرحاً إن قلت : وهبوه لي . فقالت : أي شيء هذا ؟ فقلت : غين . قالت : أي شيء غين ؟ قلت : لام . قالت : أي شيء لام ؟ قلت : ألف . قالت : وأي شيء ألف ؟ قلت : ميم . قالت : وأي ميم ؟ قلت : غلام ، فغشي عليها . ولو لم أقطع الحروف لماتت الفاسقة فرحاً . قال : وجلس أشعب يوماً إلى جانب مروان بن أبان بن عثمان ، فانفلتت من مروان ريح لها صوت ، فانصرف أشعب يوهم الناس أنه هو الذي خرجت منه الريح . فلما انصرف مروان إلى منزله جاءه أشعب