كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 300 """"""
قال إسحاق : حدثني أبي قال : أول شيء أعطيته بالغناء أني كنت بالري أنادم أهلها بالسوية لا أرزؤهم شيئا ولا أنفق إلا من بقية مال كان معي . فمر بنا خادم أبو جعفر المنصور إلى بعض عماله برسالة ، فسمعني عند رجل من أهل الري فشغف بي وخلع علي دواج سمورٍ له قيمة ، ومضى بالرسالة فرجع وقد وصله العامل بسبعة آلاف درهم وكسوةٍ كثيرةٍ ، فجاءني إلى منزلي الذي كنت أسكنه ، فأقام عندي ثلاثة أيام ووهب لي نصف الكسوة التي معه وألفي درهم . وكان ذلك أول مالٍ كسبته من الغناء . فقلت : والله لا أنفق هذه الدراهم إلا على الصناعة التي أفادتنيها . ووصف لي رجلٌ بالأبلة اسمه : جوانويه وكان حاذقا ، فخرجت إليه ، وصحبت فتيانها وأخذت عنهم وغنيتهم فشغفوا بي .
قال إبراهيم : ولما أتيت جوانويه لم أصادفه في منزله فأقمت حتى جاء . فلما رآني أحتشمني وكان مجوسيا ؛ فأخبرته بصناعتي والحال التي قصدته فيها ؛ فرحب بي وأفرد لي جناحاً في داره ووكل بي جاريةً ، فقدمت لي ما أحتاج إليه . فلما كان العشاء عاد إلى منزله ومعه جماعة من الفرس ممن يغني ؛ فنزلت إليه فجلسنا وأخذوا في شأنهم وضربوا وغنوا ؛ فلم أجد في غناء أحد منهم فائدة ؛ وبلغت النوبة إلي فضربت وغنيت ؛ فقاموا جميعا إلي فقبلوا رأسي وقالوا : سخرت بنا ، نحن إلى تعليمك إيانا أحوج منك إلينا . فأقمت على تلك الحال أياما حتى بلغ محمد بن سليمان بن علي خبري ، فوجه إلي فأحضرني وأمرني بملازمته . فقلت : أيها الأمير ، لست أتكسب بهذه الصناعة وإنما ألتذ بالغناء فلذلك تعلمته ، وأريد العود إلى الكوفة ؛ فلم أنتفع بذلك عنده وأخذل بملازمته وسألني : من أين أنا ؟ فأنتسبت إلى الموصل ، فلزمتني وعرفت بها . ولم أزل عنده مكرماً ، حتى قدم عليه خادم المهدي . فلما رآني عنده قال له : أمير المؤمنين أحوج إلى هذا منك ، فدافعه عني . فلما قدم الخادم على المهدي سأله عما رأى في طريقه ومقصده ، فأخبره بما رأى ، حتى أنتهى إلى ذكرى فوصفني له . فأمره المهدي
الصفحة 300
319