كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 301 """"""
بالرجوع وإشخاصي إليه ، فجاء وأشخصني إلى المهدي ، وحظيت عنده وقدمني .
قال : وما سمع المهدي قبلي أحداً من المغنين سوى فليح بن أبي العوراء وسياط ؛ فإن الفضل بن الربيع وصفهما له . قال : وكان المهدي لا يشرب ، فأرادني على ملازمته وترك الشرب ، فأبيت عليه . وكنت أغيب عنه الأيام ، فإذا جئته جئته منتشيا ؛ فغاظه ذلك مني وضربني وحبسني ؛ فحذقت القراءة والكتابة في الحبس . ثم دعاني يوما فعاتبني على شربي في منازل الناس والتبذل معهم . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنما تعلمت هذه الصناعة للذتي وعشرة إخواني ولو أمكنني تركها تركتها وجميع ما أنا فيه لله تعالى . فغضب غضباً شديدا وقال : لا تدخل على موسى وهارون ، فوالله لئن دخلت عليهما لأفعلن وأصنعن . فقلت نعم . ثم بلغه أني دخلت عليهما وشربت معهما وكانا مشتهرين بالنبيذ ، فضربني ثلاثمائة سوط وستين سوطا . فقلت له وأنا أضرب : إن جرمي ليس من الأجرام التي يحل بها سفك دمي ، ووالله لو كان سر أبنيك تحت قدمي ما رفعتهما عنه ولو قطعتا ، ولو فعلت ذلك كنت في حالة أبان العبد الساعي . فلما قلت ذلك ضربني بالسيف في جفنه فشجني ، فسقطت مغشياً علي . وقال لعبد الله أبن مالك : خذه إليك وأجعله في مثل القبر . فدعا عبد الله بكبش فذبحه وسلخه وألبسني جلده ليسكن الضرب عني ، ودفعني إلى خادم له يقال له أبو عثمان سعيد التركي ، فجعلني في قبر ووكل بي جارية . فتأذيت بنز كان في القبر وببقٍ . فقلت للجارية : أصلحي لي مجمرةً وكندرا ليذهب عني هذا البق ففعلت . فلما دخنت أظلم القبر وكادت نفسي تذهب ، ثم خف ذلك وزال البق ، وإذا حيتان مقبلتان نحوي من شق في القبر تدوران حولي ، فهممت أن آخذ واحدةً بيدي اليمنى والأخرى بيدي اليسرى ، فإما علي وإما لي ، ثم كفيتهما ، فدخلتا في الثقب الذي خرجتا منه . فمكثت

الصفحة 301