كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 302 """"""
في ذلك القبر ما شاء الله ، ثم أخرجت منه . وأحلفني المهدي بالطلاق والعتاق وكل يمينٍ لا فسحة لي فيها ألا أدخل على أبنيه موسى وهارون أبدا ولا أغنيهما ، وخلى سبيلي . قال إبراهيم : وقلت وأنا في الحبس :
ألا طال ليلي أراعي النجوم . . . أعالج في السّاق كبلاً ثقيلا
بدار الهوان وشرّ الديار . . . اسام بها الخسف صبراً جميلا
كثير الأخلاّء عند الرخاء . . . فلما حبست أراهم قليلا
لطول بلائي ملّ الصديق . . . فلا يأمننّ خليلٌ خليلا
قال : فلما ولي موسى الهادي الخلافة أستتر إبراهيم منه ولم يظهر له بسبب الأيمان التي حلف بها للمهدي . فلم يزل يطلبه حتى أتي به فلما عاينه قال : يا سيدي ، فارقت أم ولدي أعز الخلق علي ؛ ثم غناه :
يا أبن خير الملوك لا تتركنّ . . . غرضاً للعدو يرمى حيالي
فلقد في هواك فارقت أهلي . . . ثم عرّضت مهجتي للزوال
ولقد عفت في هواك حياتي . . . وتغرّبت بين أهلي ومالي
قال إسحاق بن إبراهيم : فموله الهادي وخوله ؛ وبحسبك أنه أخذ منه مائة ألف وخمسين ألف دينار في يوم واحد ، ولو عاش لنا لبنينا حيطان دورنا بالذهب والفضة .
قال حماد بن إسحاق قال لي أبي : والله ما رأيت أكمل مروءةً من جدك ، وكان له طعام يعد أبداً في كل وقت . فقلت لأبي : كيف كان يمكنه ذلك ؟ قال : كان له في كل يوم ثلاث شياهٍ ، واحدةٌ مقطعة في القدور ، وأخرى مسلوخةٌ معلقة ، وأخرى قائمة في المطبخ ؛ فإذا أتاه قوم طعموا مما في القدور ، فإذا فرغت القدور قطعت الشاة المعلقة ووضعت في القدور

الصفحة 302