كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 303 """"""
وذبحت القائمة وأتى بأخرى فأقيمت في المطبخ . وكانت وظيفته لطعامه وطيبه وما يتخذ له في كل شهر ثلاثين ألف درهم سوى ما كان يجري وسوى كسوته . ولقد كان مرةً عندنا من الجواري الودائع لإخوانه ثمانون جارية ، ما فيهن واحدة إلا ويجري عليها من الطعام والكسوة والطيب مثل ما يجري لأخص جواريه ، فإذا ردت الواحدة إلى مولاها وصلها وكساها . ومات وما في ملكه إلا ثلاثة آلاف دينار وعليه من الدين سبعمائة دينار قضيت منها .
وروى عن إسحاق بن إبراهيم قال : اشترى الرشيد من أبي جاريةً بستة وثلاثين ألف دينار ، فأقامت عنده ليلة ثم أرسل إلى الفضل بن الربيع وقال له : إنا أشترينا هذه الجارية من إبراهيم ونحن نحسب أنها على صفةٍ وليست كما ظننا وما قربتها ، وقد ثقل علي الثمن وبينك وبينه ما بينكما ؛ فأذهب إليه فسله أن يحطنا من ثمنها ستة آلاف دينار . قال : فأتاه الفضل ، فخرج إليه وتلقاه ؛ فقال له : دعني من هذه الكرامة التي لامؤنة فيها ، قد جئتك في أمر ، ثم أخبره الخبر . فقال له إبراهيم : إنما أراد أن يبلو قدرك عندي . قال : هو ذاك ؟ قال : فمالي في المساكين صدقةٌ إن لم أضعفه لك ، قد حططتك أثني عشر ألف دينار . فرجع الفضل إليه بالخبر ؛ فقال : ويحك احمل إليه المال بجملته ، فما رأيت سوقةً أنبل منه نفسا . قال إسحاق : وكنت قد أتيت أبي فقلت : ما كان لحطيطة هذا المال معنىً ولا هو قليل يتغافل عنه ، قال لي : يا أحمق ، أنا أعرف الناس به ، والله لو أخذت المال منه كملاً ما أخذته إلا وهو كاره ولحقد ذلك ، وكنت أكون عنده صغير القدر ، وقد مننت عليه وعلى الفضل وأنبسطت نفسه وعظم قدري عنده ، وإنما أشتريت الجارية بأربعين ألف درهم وقد أخذت بها أربعة وعشرين ألف دينار . فلما حمل إليه المال بكماله دعاني وقال : كيف رأيت يا إسحاق ، من البصير أنا أم أنت ؟ فقلت : أنت ، جعلني الله فداك . قال : وإبراهيم أول من علم الجواري المثمنات الغناء فإنه بلغ بالقيان كل مبلغ ورفع من أقدارهن .
ومن أخباره مع الرشيد ما روى عن إسحاق قال حدثني أبي قال : إن الرشيد غضب علي فقيدني وحبسني بالرقة وجلس للشرب يوما في مجلس قد زينه وحسنه . فقال لعيسى بن جعفر : هل لمجلسنا عيبٌ ؟ قال : نعم ، غيبة إبراهيم

الصفحة 303