كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 307 """"""
مثل ما حويت قديما . فقلت : سبحان الله فتصنع ماذا ؟ قال : قم حتى ألقي عليك صوتا صنعته يفوق ذاك . فقمت فجلست بين يديه ؛ فألقي علي :
ويفرح بالمولود من آل برمكٍ . . . بغاة النّدى ، والسيف والرمح والنصل
وتنبسط الآمال فيه لفضله . . . ولا سيما إن كان والده الفضل قال مخارق : فلما ألقى علي الصوت سمعت ما لم أسمع مثله قط وصغر في عيني الأول ، فأحكمته . ثم قال : امض الساعة إلى الفضل بن يحيى ، فغنك تجده لم يأذن لأحد بعد وهو يريد الخلوة مع جواريه اليوم ؛ فأستأذن عليه وحدثه بحديثنا وما كان من أبيه إلينا ، وأعلمه أني صنعت هذا الصوت وكان عندي أرفع منزلةً من الصوت الأول الذي صنعته بالأمس ، وأني ألقيته عليك حتى أحكمته ووجهت بك قاصداً لتلقيه على فلانة جاريته . فصرت إلى باب الفضل فوجدت الأمر على ما ذكر ، فاستأذنت فوصلت إليه ؛ وسألني عن الخبر ، فأعلمته بخبري وما وصل إلي وإليه من المال ؛ فقال : أخزى الله إبراهيم ما أبخله على نفسه ثم دعا خادما فقال له : اضرب الستارة ، فضربها ؛ فقال لي : ألقه . فلما ألقيته وغنته الجارية لم أتمه حتى أقبل يجر مطرفه ، ثم قعد على وسادة دون الستارة وقال : أحسن والله أستاذك وأحسنت أنت يا مخارق . ولم أبرح حتى أحكمته الجارية ؛ فسر بذلك سرورا عظيما وقال : أقم عندي اليوم . فقلت : يا سيدي إنما بقي لنا يوم واحد ، ولولا أنني أحب سرورك لم أخرج من منزلي . فقال : يا غلام ، احمل مع أبي المهنأ عشرين ألف درهم وإلى أبي إسحاق مائتي ألف درهم . فانصرفت إلى منزلي بالمال ، وفتحت بدرةً ونثرت منها على الجواري وشربت وسررت أنا ومن عندي يومنا . فلما أصبحت بكرت إلى إبراهيم أتعرف خبره وأعرفه خبري ، فوجدته على الحال التي كان عليها أولا وآخرا ؛ فدخلت أترنم وأصفق . فقال لي : أدن ؛ فقلت : ما بقي عليك ؟ فقال : اجلس وأرفع سجف هذا الباب ؛ فرفعته فإذا عشرون بدرةً مع تلك العشر . فقلت : ما تنتظر الآن ؟ فقال : ويحك ما هو إلا أن حصلت حتى جرت مجرى ما تقدم . فقلت : والله ما أظن أحداً

الصفحة 307