كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 309 """"""
خلف الستارة : خذوا فيما أنتم عليه ثم رفع السجف فإذا المال . فقلت ما خبر الضيعة ؟ أدخل يده تحت مسورة وهو متكئ عليها فقال : هذا صك الضيعة اشتراها يحيى بن خالد وكتب إلي : قد علمت أنك لا تسخو نفسك بشراء هذه الضيعة من مال يحصل لك ولو حويت الدنيا كلها ، وقد أبتعتها من مالي . ووجه إلي بصكها ، وهذا المال كما ترى ، ثم بكى وقال : يا مخارق ، إذا عاشرت فعاشر مثل هؤلاء ، وإذا خنكرت فخنكر لمثل هؤلاء ، ستمائة الف ، وضيعة بمائة ألف ، وستون ألف درهم لك ، حصلنا ذلك أجمع وأنا جالس في مجلسي لم أبرح منه ، متى يدرك مثل هؤلاء . وروى عنه قال : أتيت الفضل بن يحيى يوما فقلت له : يا أبا العباس ، جعلت فداك هب لي دراهم فإن الخليفة قد حبس بره . فقال : ويحك يا أبا إسحاق ما عندي ما أرضاه لك . ثم قال : هاه إلا أن ها هنا خصلةً ، أتانا رسول صاحب اليمن فقضينا حوائجه ، ووجه إلينا بخمسين ألف دينار يشتري لنا بها محبتنا . فما فعلت ضياء جاريتك ؟ قلت : عندي جعلت فداك . قال : فهو ذا ، أقول لهم يشترونها منك فلا تنقصها من خمسين ألف دينار ؛ فقبلت رأسه ثم أنصرفت . فبكر علي رسول صاحب اليمن ومعه صديقٌ له ولي ، فقال : جاريتك فلانة عندك ؟ قلت : عندي . قال : أعرضها علي فعرضتها عليه ؛ فقال : بكم ؟ فقلت : بخمسين ألف دينار ولا أنقص منها دينارا واحدا ، وقد أعطاني الفضل بن يحيى أمس هذه العطية ، فقال : هل لك في ثلاثين ألف دينار مسلمة ؟ وكان مشتري الجارية أربعمائة دينار ، فلما وقع في أذني ذكر ثلاثين ألف دينار أريج علي ولحقني زمعٌ ، وأشار علي صديقي الذي معه بالبيع ، وخفت والله أن يحدث بالجارية حدثٌ أو بي أو بالفضل بن يحيى ، فسلمتها وأخذت المال . ثم بكرت على الفضل ، فإذا هو جالسٌ وحده . فلما نظر إلي ضحك وقال لي : يا ضيق العطن والحوصلة ، حرمت نفسك عشرين ألف دينار . فقلت له : جعلت فداك ، دع ذا عنك ، فوالله لقد دخلني شيء أعجز عن وصفه وخفت أن تحدث

الصفحة 309