كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
أيقنت بانقضاء المجلس وثبت فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر من يضربني مائة سوط الساعة بحضرتك فضحك . ثم قال : قبحك الله وما السبب في ذلك ؟ فأخبرته بقصتي مع الرسول ، وقلت له : إنه بدأني بالمكروه في أول يومه فاتصل علي إلى آخره ، فأريد أن أضرب مائة سوط ويضرب بعدي مثلها . فقال : لقد لطفت ، بل أعطوه مائة دينار ، وأعطوا الرسول خمسين ديناراً من مالنا عوض الخمسين التي أراد أخذها من أشعب ، فقبضتها وانصرفت . قال ابن زبنج : كان أبان بن عثمان من أهزل الناس وأعبثهم ، فبينا نحن ذات يوم عنده وعنده أشعب ، إذ أقبل أعرابي معه جمل ، والأعرابي أشقر أزرق أزعر يتلظى كأنه أفعى ، والشر بين في وجهه ، ما يدنو منه أحد إلا شتمه ونهره ، فقال أبان : هذا والله من البادية ، ادعوه لي ، فدعوه له وقيل : إن الأمير أبان بن عثمان يدعوك ، فأتاه فسلم عليه ، فسأله أبان بن عثمان عن نسبه ، فانتسب له . فقال له أبان : حياك الله يا خال ، اجلس ، فجلس . فقال له : إني أطلب جملاً مثل جملك هذا منذ زمان فلم أجده كما أشتهي بهذه الصفة وهذه الهامة والصورة والورك والأخفاف ، والحمد لله الذي جعل ظفري به عند من أحبه ، أتبيعنيه ؟ فقال : نعم أيها الأمير . قال : فإني قد بذلت لك به مائة دينار ، فطمع الأعرابي وسر بذلك وانتفخ ، وبان الطمع في وجهه . فأقبل أبان على أشعب ثم قال له : ويلك يا أشعب إن خالي هذا من أهلك وأقاربك يعني : في الطمع فأوسع له مما عندك ، قال : نعم ، بأبي أنت وزيادة . فقال له أبان : يا خال ، إنما زدتك في الثمن على بصيرة أن الجمل يساوي ستين ديناراً ، ولكني بذلت لك مائة دينار لقلة النقد عندنا ، وإني أعطيك عروضاً تساوي مائة دينار ، فزاد طمع الأعرابي وقال : قد قبلت ذلك أيها الأمير . وأسر أبان إلى أشعب ، فأخرج شيئاً مغطى ، فقال له : أخرج ما جئت به ، فأخرج جرد عمامة تساوي أربعة دراهم . فقال له : قومها يا أشعب . فقال : عمامة الأمير تساوي أربعة دراهم . فقال له : قومها يا أشعب . فقال : عمامة الأمير يشهد فيها الأعياد والجمع ويلقي فيها الخلفاء خمسون ديناراً . قال : ضعها بين يديه ، وقال لابن زبنج : أثبت قيمتها ، فكتب ذلك ، ووضعت العمامة بين يدي الأعرابي ، فكاد يدخل بعضه في بعض غيظاً ، ولم يقدر على الكلام . قال :