كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 38 """"""
ذكر شيء من نوادر أبي دلامة
هو أبو دلامة زند بن الجون . وزند بالنون . وهو كوفي ، أسود ، مولى لبني أسد ، كان أبوه عبداً لرجل منهم يقال له قصاقص ، فأعتقه . وأدرك آخر زمن بني أمية ولم يكن له نباهة في أيامهم ، ونبغ في أيام بني العباس ، فانقطع إلى أبي العباس السفاح وأبي جعفر المنصور والمهدي ، وكانوا يقدمونه ويفضلونه ويستطيبون مجالسته ونوادره . قال أبو الفرج الأصفهاني : كان أبو دلامة رديء المذهب ، مرتكباً للمحارم ، مضيعاً للفروض ، متجاهراً بذلك ، وكان يعلم هذا منه ويعرف به ، فيتجافى عنه للطف محله . وله أخبار وأشعار ليس هذا موضع ذكرها ، وإنما نثبت في هذا الموضع ما له من نادرة أ حكاية مستظرفة . فمن ذلك أنه دخل على أبي جعفر المنصور ، وكان المنصور قد أمر أصحابه بلبس السواد والقلانس الطوال ، تدعم بعيدان من داخلها ، وأن يعلقوا السيوف في المناطق ، ويكتبوا على ظهورهم : " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " . فلما دخل عليه أبو دلامة في هذا الزي قال له المنصور : ما حالك ؟ قال : شر حال يا أمير المؤمنين ، وجهي في نصفي ، وسيفي في استي ، وقد صبغت بالسواد ثيابي ونبذت كتاب الله وراء ظهري ، ثم أنشد :
وكنا نرجى منحة من إمامنا . . . فجاءت بطول زاده في القلانس
تراها على هام الرجال كأنها . . . دنان يهود جللت بالبرانس

الصفحة 38