كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 39 """"""
فضحك منه المنصور وأعفاه وحذره من ذلك ، وقال : إياك أن يسمع هذا منك أحد .
وحكي عنه : أنه كان واقفاً بين يدي السفاح أو المنصور ، فقال له : سلني حاجتك ، فقال أبو دلامة : كلب صيد ، قال : أعطوه إياه . قال : ودابة أتصيد عليها . قال : أعطوه . قال : وغلام يقود الكلب ويتصيد به ، قال : أعطوه غلاماً . قال : وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه ، قال : أعطوه جارية . قال : هؤلاء يا أمير المؤمنين عيال فلا بد لهم من دار يسكنونها ، قال : أعطوه داراً تجمعهم . قال : فإن لم يكن ضيعة فمن أين يعيشون ؟ قال : قد أقطعتك مائة جريب عامرة ومائة جريب غامرة . قال : وما الغامرة ؟ قال : ما لا نبات فيه . قال : قد أقطعتك يا أمير المؤمنين خمسمائة ألف جريب غامرة من فيافي بني أسد . فضحك وقال : اجعلوا المائتين كلها عامرة . قال : فأذن لي أن أقبل يدك ، قال : أما هذه فدعها ، فإني لا أفعل . قال : والله ما منعت عيالي شيئاً أقل عليهم ضرراً منها .
وروي : أنه دخل على المنصور فأنشده قصيدته التي يقول فيها :
إن الخليط أجدوا البين فانتجعوا . . . وزودوك خبالاً بئس ما صنعوا
والله يعلم أن كادت ، لبينهم . . . يوم الفراق ، حصاة القلب تنصدع
عجبت من صبيتي يوماً وأمهم . . . أم الدلامة لما هاجها الجزع
لا بارك الله فيها من منبهة . . . هبت تلوم عيالي بعدما هجعوا
ونحن مشتبهو الألوان ، أوجهنا . . . سود قباح ، وفي أسمائنا شنع
إذا تشكت إلى الجوع ، قلت لها . . . ما هاج جوعك إلا الري والشبع
أذابك الجوع مذ صارت عيالتنا . . . على الخليفة منه الري والشبع
لا والذي يا أمير المؤمنين قضى . . . لك الخلافة في أسبابها الرفع
ما زلت أخلصها كسبي فتأكله . . . دوني ودون عيالي ثم تضطجع

الصفحة 39