كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 42 """"""
العائذ بك ، وقد قلت أبياتها فاسمعها . قال : هات ، فأنشدته :
إني استجرتك أن أقدم في الوغى . . . لتطاعن وتنازل وضراب
فهب السيوف رأيتها مشهورة . . . وتركتها ومضيت في الهراب
ماذا تقول لما يجيء ولا يرى . . . من بادرات الموت بالنشاب
فقال : دع هذا عنك ، وبرز رجل من الخوارج يدعو إلى المبارزة فقال : اخرج إليه يا أبا دلامة . فقال : أنشدك الله أيها الأمير في دمي . فقال : والله لتخرجن فقلت : أيها الأمير ، فإنه أول يوم من الآخرة وآخر يوم من الدنيا ، وأنا والله جائع ما تنبعث مني جارحة من الجوع ، فمر لي بشيء آكله ثم أخرج ، فأمر لي برغيفين ودجاجة ، فأخذت ذلك وبرزت عن الصف . فلما رآني الشاري أقبل نحوي وعليه فرو قد أصابه المطر فابتل ، وأصابته الشمس فاقفعل وعيناه تقدان ، فأسرع إلي ، فقلت : على رسلك يا هذا فوقف ، فقلت : أتقتل من لا يقاتلك ؟ قال : لا . قلت : أتستحل أن تقتل رجلاً على دينك ؟ قال : لا . قلت : أفتستحل ذلك قبل أن تدعو من تقابله إلى دينك ؟ قال : لا ، فاذهب عني إلى لعنة الله ، فقلت : لا أفعل أو تسمع مني . قال : قل . فقلت : هل كانت بيننا عداوة أو ترة أو تعرفني بحال تحفظك علي أو تعلم بيني وبين أهلك وتراً ؟ قال : لا والله ، قلت : ولا أنا والله لك إلا علي جميل الرأي ، فإني لأهواك وأنتحل مذهبك وأدين دينك وأريد السوء لمن أرادك . فقال : يا هذا ، جزاك الله خيراً فانصرف . قلت : إن معي زاداً أريد أن آكله وأريد مؤاكلتك لتتوكد المودة بيننا ويرى أهل العسكرين هوانهم علينا ، قال : فافعل . فتقدمت إليه حتى اختلفت أعناق دوابنا وجمعنا أرجلنا على معارفها وجعلنا نأكل والناس قد غلبوا ضحكاً . فلما استوفينا ودعني ، ثم قلت له : إن هذا الجاهل ، إن أقمت على طلب المبارزة ندبني إليك فتتعب وتتعبني ، فإن رأيت ألا تبرز اليوم فافعل . قال : قد فعلت ، فانصرف وانصرفت . فقلت لروح : أما أنا فقد كفيتك قرني ، فقل لغيري

الصفحة 42