كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
ومنهم أبو صدقة .
ذكر شيء من نوادر أبي صدقة
هو أبو صدقة مسكين بن صدقة من أهل المدينة مولى لقريش . قال أبو الفرج : وكان مليح الغناء طيب الصوت كثير الرواية صالح الصنعة ، من أكثر الناس نادرة وأخفهم روحاً وأشدهم طمعاً وألحهم مسألة ، وهو من المغنين الذين أقدمهم الرشيد من الحجاز في أيامه . قيل : إنه عوتب على كثرة إلحاحه في المسألة ، فقال : وما يمنعني من ذلك ، واسمي مسكين وكنيتي أبو صدقة وابنتي فاقة وابن صدقة ، فمن أحق بهذا مني ؟ وكان الرشيد يعبث به كثيراً ، فقال ذات يوم لمسرور : قل لابن جامع وإبراهيم الموصلي وزبير بن دحمان وزلزل وبرصوما وابن أبي مريم المديني : إذا رأيتموني قد طابت نفسي ، فليسأل كل واحد منكم حاجة ، مقدارها مقدار صلته ، وذكر لكل واحد منهم مبلغ ذلك ، وأمرهم أن يكتبوا أمرهم عن أبي صدقة ، فقال لهم مسرور ما أمر به الرشيد . ثم أذن الرشيد لأبي صدقة قبل إذنه لهم . فلما جلس قال له : يا أبا صدقة ، لقد أضجرتني بكثرة مسألتك وأنا في هذا اليوم ضجر وأحببت أن أتفرج وأفرح ، ولست آمن أن تنغص علي مجلسي بمسألتك ، فإما أن تعفيني أن تسألني اليوم حاجة وإلا فانصرف . فقال له : لست من يومي هذا إلى شهر أسألك حاجة . فقال له الرشيد : أما إذ شرطت لي هذا على نفسك فقد اشتريت منك حوائجك بخمسمائة دينار وها هي ذه فخذها طيبة معجلة ، فإن سألتني شيئا بدها من هذا اليوم فلا لوم علي إن لم أصلك سنة بشيء . فقال : نعم وسنتين . فقال له الرشيد : زدني في الوثيقة . فقال : قد جعلت أمر أم صدقة في يدك فطلقها متى شئت ، إن شئت واحدة وإن شئت ألفاً إن سألتك في يومي هذا حاجة ، وأشهدت الله ومن حضر على ذلك . فدفع إليه المال ، ثم أذن للجلساء والمغنين فدخلوا وشرب القوم . فلما طابت نفس الرشيد ، قال له ابن جامع : يا أمير المؤمنين ، قد نلت منك ما لم تبلغه أمنيتي ، وكثر إحسانك إلي حتى كبت أعدائي وقتلتهم ، وليس لي بمكة دار تشبه حالي ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بمال أبني به دار وأفرشها بباقيه لأفقأ عيون أعدائي وأزهق نفوسهم فعل . فقال له : وكم قدرت لذلك ؟ قال : أربعة آلاف دينار ، فأمر له بها . وقام إبراهيم الموصلي فقال : يا أمير المؤمنين ، قد ظهرت نعمتك