كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
قال الأصمعي : قال عبد الملك بن مروان للأقيشر : أنشدني أبياتك في الخمر ، فأنشده قوله :
تريك القذى من دونها وهي دونه . . . لوجه أخيها في الإناء قطوب
كميت إذا شجت وفي الكأس وردة . . . لها في عظام الشاربين دبيب
فقال له : أحسنت والله يا أبا معرض لقد أجدت في وصفها ، وأظنك قد شربتها . فقال : والله يا أمير المؤمنين ، إنه ليربيني معرفتك بها . قال : وكان الأقيشر يأتي إخواناً له فيسألهم فيعطونه ، فأتى رجلاً منهم فأمر له بخمسمائة درهم فأخذها ومضى إلى الحانة فدفعها إلى صاحبها ، وقال له : أقم لي ما أحتاج إليه ، ففعل . فانضم إليه رفقاء له فلم يزل معهم حتى نفدت الدراهم ، فأتاهم بعد إنفاقها فاحتملوه يوماً ويوماً . فلما أتاهم في اليوم الثالث نظروا إليه من بعيد ، فقالوا لصاحب الحانة : اصعد بنا إلى الغرفة ، وأعلم الأقيشر أنا لم نأت اليوم ، ففعل . فلما جاء الأقيشر أعلمه بما قالوا ، فعلم أنه لا فرج له عند صاحب الحانة إلا برهن ، فطرح إليه بعض ثيابه وقال له : أقم لي ما أحتاج إليه ، ففعل . فلما أخذ منه الشراب أخذ يقول :
يا خليلي اسقياني كأساً . . . ثم كأساً حتى أخر نعاسا
إن في الغرفة التي فوق رأسي . . . لأناساً يخادعون أناسا
يشربون المعتق الراح صرفاً . . . ثم لا يرفعون للزور راسا
قال : فلما سمع أصحابه هذا الشعر ، فدوه بآبائهم وأمهاتهم ، ثم قالوا له : إما أن تصعد إلينا وإما أن ننزل إليك ، فصعد إليهم .