كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
ذكر شيء من نوادر أبي العيناء عفا الله عنه
هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر بن سليمان ، من بني حنيفة أهل اليمامة . وأسر ياسر في سباء في خلافة المنصور . فلما صار في يد المنصور أعتقه ، فهم موالي بني هاشم . وكان أبو العيناء ضرير البصر ، يقال : إن جده الأكبر لقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأساء مخاطبته فدعا عليه وعلى ولده بالعمى ، فكل من عمي منهم فهو صحيح النسب . وهو ممن اشتره بالمجون ، وله نوادر وحكايات مستظرفة ، ومراسلات عجيبة ، سأورد منها طرفاً ، وأسطر طرفاً . فمن ذلك : أن بعض الرؤساء قال له : يا أبا العيناء ، لو مت لرقص الناس طرباً وسروراً . فقال بديهة :
أردت مذمتي فأجدت مدحي . . . بحمد الله ذلك لا بحمدك
فلا تك واثقاً أبداً بعمد . . . فقد يأتي القضاء بغير عمدك
ثم قال : أجل الناس قد ذهبوا ، فلوا رآني الموتى لطربوا لدخول مثلي عليهم ، وحلول عقلي لديهم ، ووصول فضلي إليهم ، فما زال الموتى يغبطونكم ويرحمونني بكم .
وقال : واتصلت أشغال أبي الصقر الوزير ، فتأخر توقيعه عن أبي العيناء برسومه . فكتب إليه : رقعتي ، أطال الله بقاء الوزير ، رقعة من علم شغلك فاطرح عدلك ، وحقق أمرك فبسط عذرك . أما والليل إذا عسعس ، فالبنان لبنات الدنان ، وملامسات الحسان ، وأما والصبح إذا تنفس ، فالبنان للعنان ، ومؤامرات السلطان ، فمن أبو العيناء القرنان . فوقع أبو الصقر تحت سطوره : لكل طعام مكان ، ولكل معوز إمكان ، وقد وقعنا لك بالرسوم ، وجعلنا لك بالرسوم ، وجعلنا لك حظاً من المقسوم ، وكفينا أنفسنا عذرك الذي هو تعزير ، ولسانك الذي هو تحذير . والسلام .