كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 67 """"""
ثم لقيه أبو العيناء في صدر موكبه فقال : طاعة شيمك لسلطان كرمك ، ألزمتك الصبر على ذنوبي إليك ، وتجني خلقي عليك . فقال أبو الصقر : كبير حسناتك ، يستغرق يسير سيئاتك . فدعا له وانصرف شاكراً . قال : وبسط أبو العيناء لسانه على أهله في بعض الدواوين . فقال له فتى من أبناء الكتاب كانت فيه جرأة : كل الناس لك يا أبا العيناء زوجة ، وأنت زوجة أبي علي البصير . فقال له أبو العيناء : قد ملكنا عصمتك بيقين فحواك ، ثم ننظر في شكوك دعواك ، وقد طلقت الناس كلهم سواك ، ذلك أدنى ألا نعول ، وفيك ما يروى الفحول ، ويتجاوز السول . قال : ففضحه بهذا الكلام ، فلم يجبه . قال : وكان في بني الجراح فتى خليع ماجن فأراد العبث بأبي العيناء ، فنهاه نصحاؤه فأبى ، فقالوا : شأنك . فقال له : يا أبا العيناء ، متى أسلمت ؟ فقال : حين آمن أهلك وأبوك الذين لم يؤدبوك . فقال له الفتى : إذاً قد علمت أنك ما أسلمت . فقال أبو العيناء : شهادتك لأهلك دعوى ، وشهادتي عليهم بلوى ، وسترى أي السلطانين أقوى ، وأي الشيطانين أغوى ، وسيعلم أهلك ، ما جنى عليهم جهلك . قال : فأتاه أبوه فتبرأ من ذمته ، ودفعه إليه برمته . فقال له أبو العيناء : قد وهبت جوره لعدلك ، وتصدقت بحمقه على عقلك . ومن أخبار أبي العيناء أيضاً : أن محمد بن عبيد الله بن خاقان حمله على برذون زعم أنه غير فاره ، فكتب إلى أبيه : أعلم الوزير أعزه الله تعالى أن أبا علي محمداً أراد أن يبرني فعقني ، وأن يركبني فأرجلني أمر لي بدابة تقف للنبرة ، وتعثر بالبعرة ، كالقضيب اليابس عجفاً ، وكالعاشق المجهود دنفاً ، يساعد أعلاه لأسفله ، حباقه مقرون بسعاله ، فلو أمسك لترجيت ، أو أفرد لتعزيت ، ولكنه يجمعهما في الطريق المعمور ، والمجلس المشهور ، كأنه خطيب مرشد ، أو شاعر منشد ، تضحك من فعله النسوان ، ويتناغى من فعله الصبيان ، فمن صائح يصيح : داوه بالطباشير ، ومن قائل يقول : نق له من الشعير . قد حفظ الأشعار ، وروى

الصفحة 67