كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 69 """"""
بالخلعة السرية ، والجائزة السنية ، ثم أنت الآن تغدو مسدفاً ، وترجع معتماً ، فإلى من ؟ قلت : إلى أبي العلاء ذي الدرايتين . قال : أيعطيك ؟ قلت : لا . قالت : أفيشفعك ؟ قلت : لا . قالت : أيرفع مجلسك ؟ قلت : لا . قالت : يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً .
وقال له رجل من بني هاشم : بلغني أنك بغاء . قال : ولم أنكرت ذلك مع قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " مولى القوم منهم " ؟ قال : إنك دعي فينا . قال : بغائي صحح نسبي فيكم . وسأل أبو العيناء الجاحظ كتاباً إلى محمد بن عبد الملك في شفاعة لصاحب له ، فكتب الكتاب وناوله الرجل ، فعاد به إلى أبي العيناء وقال : قد أسعف . قال : فهل قرأته ؟ قال : لا ، لأنه مختوم . قال : ويحك فضه لا يكون صحيفة المتلمس . ففضه فإذا فيه : موصل كتابي سألني فيه أبو العيناء ، وقد عرفت سفهه وبذاء لسانه ، وما أراه لمعروفك أهلاً . فإن أحسنت إليه فلا تحسبه علي يداً ، وإن لم تحسن إليه لم أعده عليك ذنباً ، والسلام . فركب أبو العيناء إلى الجاحظ وقال له : قد قرأت الكتاب يا أبا عثمان . فخجل الجاحظ وقال : يا أبا العيناء ، هذه علامتي فيمن أعتني به . قال : فإذا بلغك أن صاحبي قد شتمك فاعلم أنها علامته فيمن شكر معروفه . وقال أبو العيناء : مررت يوماً بدرب بسامراء ، فقال لي غلامي : يا مولاي ، في الدرب حمل سمين والدرب خال . فأمرته أن يأخذه وغطيته بطيلساني وصرت به إلى منزلي . فلا كان من الغد جاءتني رقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها : جعلت فداك ، ضاع لنا بالأمس حمل ، فأخبرني صبيان دربنا أنك أنت سرقته ، فأمر برده متفضلاً . قال أبو العيناء : فكتبت إليه : أي سبحان الله ما أعجب هذا الأمر مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاء وأكذبهم

الصفحة 69