كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
ذكر ما قيل في إباحة المطبوخ
والمطبوخ يسمى الطلاء وهو الذي طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه . سمي بذلك لأنه شبيه بطلاء الإبل في ثخنه وسواده . وقد اختلف العلماء في المطبوخ ، فقال بعضهم : كل عصير طبخ حتى ذهب نصفه فهو حلال إلا أنه يكره ، وإن طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فهو حلال مباح شربه وبيعه إلا أن السكر منه حرام . وحجتهم في ذلك ما روي : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله : أن ارزق المسلمين من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه . وعن عبد الله بن يزيد الخطمي قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أما بعد ، فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان في عود الكرم ، فإن له اثنين ولكم واحد . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن نوحاً عليه السلام لما نازعه الشيطان في عود الكرم فقال : هذا لي ، وقال : هذا لي ، فاصطلحا على أن لنوح ثلثها وللشيطان ثلثيها . وسئل سعيد بن المسيب : ما الشراب الذي أحله عمر رضي الله عنه ؟ فقال : الذي يطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه . وحكي أن أبا موسى الأشعري وأبا الدرداء كانا يشربان من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه . وعلى الجملة فمجموع هذه الأخبار في مثلث لم يسكر البتة . ودليل ذلك ما حكي عن عبد الله بن عبد الملك ابن الطفيل الخزرجي قال : كتب إلينا عمر بن عبد العزيز : ألا تشربوا من الطلاء حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، وكل مسكر حرام . هذا الذي عليه أكثر العلماء . وقال قوم : إذا طبخ العصير أدنى الطبخ صار حلالاً ، وهو قول إسماعيل بن علية وبشر المريسي وجماعة من أهل العراق . وذهب بعضهم إلى أن الطلاء الذي رخص فيه إنما هو الرب والدبس . والله عز وجل أعلم .