كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 81 """"""
ذكر آفات الخمر وجناياتها
وآفات الخمر وجناياتها كثيرة ، لأنها أم الكبائر . وأول آفاتها أنها تذهب العقل ، وأفضل ما في الإنسان عقله ، وتحسن القبيح وتقبح الحسن . قال أبو نواس الحسن ابن هانئ عفا الله عنه ورحمه وغفر له ما أسلف :
اسقني حتى تراني . . . حسناً عندي القبيح
وقال أيضاً :
اسقني صرفاً حمياً . . . تترك الشيخ صبياً
وتريه الغي رشداً . . . وتريه الرشد غياً
وقال أبو الطيب :
رأيت المدامة غلابة . . . تهيج للمرء أشواقه
تسئ من المرء تأديبه . . . ولكن تحسن أخلاقه
وأنفس ما للفتى له . . . وذو اللب يكره إنفاقه
وقد مت أمس بها ميتة . . . وما يشتهي الموت من ذاقه قالوا : وإنما قيل لمشارب الرجل نديم ، من الندامة ، لأن الرجل معاقر الكأس إذا سكر تكلم بما يندم عليه وفعل ما يندم عليه ، فقيل لمن شاربه نادمه لأنه فعل مثل فعله فهو نديم له ، كما يقال : جالسه فهو جليس له . والمعاقر : المدمن ، كأنه لزم عقر الشيء أي فناءه . وقد شهر أصحاب الشراب بسوء العقد وقلة الحفاظ ، وقالوا : صاحب الشراب صديقك ما استغنيت عنه حتى تفتقر ، وما عوفيت حتى تنكب ، وما غلت دنانك حتى تنزف ، وما رأوك بعيونهم حتى يفقدوك . قال بعض الشعراء عفا الله تعالى عنه :
أرى كل قوم يحفظون حريمهم . . . وليس لأصحاب النبيذ حريم

الصفحة 81