كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 82 """"""
إذا جئتهم حيوك ألفا ورحبوا . . . وإن غبت عنهم ساعة فذميم
إخاؤهم ما دارت الكأس بينهم . . . وكلهم رث الوصال سئوم
فهذا بياني لم أقل بجهالة . . . ولكنني بالفاسقين عليم
قيل : سقى قوم أعرابية مسكراً ، فقالت : أيشرب نساؤكم هذا الشراب ؟ قالوا : نعم . قالت : فما يدري أحدكم من أبوه . وقال قصي بن كلاب لبنيه : اجتنبوا الخمر فإنه يصلح الأبداء ويفسد الأذهان . وقيل لعدي بن حاتم : مالك لا تشرب النبيذ ؟ قال : معاذ الله أصبح حليم قوم وأمسي سفيههم . وقيل لأعرابي : مالك لا تشرب النبيذ ؟ قال : لا أشرب ما يشرب عقلي . وقيل لعثمان بن عفان : ما منعك من شرب الخمر في الجاهلية ولا حرج عليك ؟ قال : إني رأيتها تذهب العقل جملة وما رأيت شيئاً يذهب جملة ويعود جملة . وقال عبد العزيز بن مروان لنصيب بن رباح : هل لك فيما يثمر المحادثة ؟ يريد المنادمة ، فقال : أصلح الله الأمير الشعر مفلفل واللون مرمد ، ولم أقعد إليك بكرم عنصر ولا بحسن منظر ، وإنما هو عقلي ولساني ، فإن رأيت ألا تفرق بينهما فافعل . ودخل مصيب هذا على عبد الملك بن مروان فأنشده فاستحسن عبد الملك شعره فوصله ، ثم دعا بالطعام فطعم معه . فقال له عبد الملك : هل لك أن تنادم عليه ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، تأملني . قال : قد أراك . قال : يا أمير المؤمنين ، جلدي أسود وخلقي مشوه ووجهي قبيح ولست في منصب ، وإنما بلغ بي مجالستك ومؤاكلتك عقلي ، وأنا أكره أن أدخل عليه ما ينقصه . فأعجبه كلامه وأعفاه .
وقال الحسن : لو كان العقل عرضاً لتغالي الناس في ثمنه ، فالعجب لمن يشتري بماله شيئاً ليشربه فيذهب عقله .

الصفحة 82