كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 9 """"""
يتراوحن على سهر ليلتهن ويتفقدن أمر الطحن ويحثثن عليه ، ففعلن وجعلن ينادين الفتى كلما كف عن الطحن : يا فلانة إن مولاك مستيقظ والساعة يعلم أنك قد كففت عن الطحن ، فيقوم إليك بالعصا كعادته مع من كانت نوبتها قبلك إذا هي نامت وكفت عن الطحن . فلم يزل كلما سمع ذلك الكلام منهن اجتهد في العمل والجارية تتفقده وتقول له : استيقظ مولاي والساعة ينام فأصير إلى ما تحب وهو يطحن ، حتى أصبح وفرغ القمح . فأتته الجارية بعد فراغه فقالت له : قد أصبح فانج بنفسك . فقال : أو قد فعلتها يا عدوة الله وخرج تعباً نصباً ، وأعقبه ذلك مرضاً شديداً أشرف منه على الموت ، وعاهد الله ألا يعود إلى كلام الجارية ، فلم تر منه بعد ذلك شيئاً تكرهه . قال : وتعشى عبد الله ليلة ومعه رجل من الأنصار ، فوقع حجر في الدار ووقع آخر وثالث ؛ فقال للجارية : اخرجي فانظري : أذنوا المغرب أم لا ، فخرجت وجاءت بعد ساعة ، وقالت : قد أذنوا وصلوا . فقال الرجل الذي كان عنده : أليس قد صلينا قبل أن تدخل الجارية ؟ قال : بلى ، ولكن لو لم أرسلها تسأل عن ذلك لرجمنا إلى الغداة ، أفهمت ؟ قال : نعم ، قد فهمت . قال وسمع بعد الله بن أبي عتيق قول عمر بن أبي ربيعة :
من رسولي إلى الثريا فإني . . . ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب
فركب بغلته من المدينة ، وسار يريد مكة ، فلما بلغ ذا الحليفة قيل له : أحرم ؛ قال : ذو الحاجة لا يحرم ، وجاء حتى دخل على الثريا . فقال لها : ابن عمك يقول :
ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب
ثم ركب بغلته وعاد .

الصفحة 9