كتاب الحيوان (اسم الجزء: 3-4)

السّخافة بالجزالة، صار الحديث الذي وضع على أن يسرّ النّفوس يكر بها، ويأخذ بأكظامها [1] .
561-[الورع الزائف]
[2] وبعض الناس إذا انتهى إلى ذكر الحر والأير والنيك ارتدع وأظهر التقزّز، واستعمل باب التّورّع. وأكثر من تجده كذلك فإنّما هو رجل ليس معه من العفاف والكرم [3] ، والنّبل والوقار، إلّا بقدر هذا الشّكل من التّصنع. ولم يكشف قطّ صاحب رياء ونفاق، إلّا عن لؤم مستعمل، ونذالة متمكّنة.
562-[تسمّح بعض الأئمة في ذكر ألفاظ]
وقد كان لهم في عبد الله بن عباس مقنع، حين سمعه بعض الناس [4] ينشد في المسجد الحرام: [من الرجز]
وهنّ يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطّير ننك لميسا [5]
فقيل له في ذلك، فقال: إنّما الرّفت ما كان عند النساء.
وقال الضّحّاك: لو كان ذلك القول رفثا لكان قطع لسانه أحبّ إليه من أن يقول هجرا.
قال شبيب بن يزيد الشيباني، ليلة بيّت عتّاب بن ورقاء: [من الرجز] من ينك العير ينك نيّاكا [6] وقال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- حين دخل على بعض الأمراء فقال له [7] : من في هذه البيوت؟ فلما قيل له: عقائل من عقائل العرب، قال عليّ: «من يطل أير أبيه ينتطق به» [8] .
__________
[1] الأكظام: جمع كظم، وهي الحلق؛ أو الفم؛ أو مخرج النفس. «القاموس: كظم» .
[2] رسائل الجاحظ 2/92، «مفاخرة الجواري والغلمان» .
[3] في رسائل الجاحظ «من المعرفة والكرم» .
[4] هو أبو العالية كما في المستدرك للحاكم 2/476، وعيون الأخبار 1/321.
[5] الرجز لابن عباس في رسائل الجاحظ 2/92، وعيون الأخبار 1/321، والجمهرة 422، واللسان والتاج (رفث، همس) ، والتهذيب 6/143، 15/78، وعمدة الحفاظ (رفث) ، وبلا نسبة في العين 4/10، والتاج (لمس) والجمهرة 863.
[6] الرجز بلا نسبة في اللسان والتاج (نوك) ، وهو من الأمثال في مجمع الأمثال 2/305، والمستقصى 2/364، يضرب مثلا لمن يغالب الغلاب، وتقدم في الفقرة (447) .
[7] رسائل الجاحظ 2/92.
[8] مجمع الأمثال 2/300، والمستقصى 2/364، وأمثال ابن سلام 198، وجمهرة الأمثال 2/253، «يريد: من كثر إخوته اشتد ظهره وعزه بهم» .

الصفحة 18