كتاب الحيوان (اسم الجزء: 3-4)

يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ
[1] وقال: وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ. وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ
[2] ، وأنّه غبر كذلك حينا وهو تجاه أعينهم، فلا هم عرفوا سجيّة وجوه الموتى، ولا هو إذ كان ميّتا سقط سقوط الموتى.
وثبت قائما معتمدا على عصاه، وعصاه ثابتة قائمة في يده، وهو قابض عليها.
وليست هذه الصّفة صفة موتانا.
وقال: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ
[3] ونحن دون الشّياطين والجنّ في صدق الحسّ، ونفوذ البصر. ولو كنّا من بعض الموتى بهذا المكان، لما خفي علينا أمره وكان أدنى ذلك أن نظنّ ونرتاب.
ومتى ارتاب قوم وظنّوا وماجوا وتكلموا وشاوروا، لقنوا وثبّتوا. ولا سيّما إذا كانوا في العذاب ورأوا تباشير الفرج.
ولولا الصّرفة. التي يلقيها الله تعالى على قلب من أحبّ، ولولا أنّ الله يقدر على أن يشغل الأوهام كيف شاء، ويذكّر بما يشاء، وينسّي ما يشاء، لما اجتمع أهل داره وقصره، وسوره وربضه، وخاصّته، ومن يخدمه من الجنّ والإنس والشّياطين، على الإطباق بأنّه حيّ. كذلك كان عندهم. فحدث ما حدث من موته، فلمّا لم يشعروا به كانوا على ما لم يزالوا عليه. فعلمنا أنّ الجنّ والشّياطين كانت توهم الأغبياء والعوامّ والحشوة والسّفلة، أنّ عندهما شيئا من علم الغيب- والشياطين لا تعلم ذلك- فأراد الله أن يكشف من أمرهم للجهّال ما كان كشفه للعلماء. فبهذا وأشباهه من الأمور نحن إلى الإقرار به مضطرون بالحجج الاضطراريّة فليس لخصومنا حيلة إلّا أن يواقفونا، وينظروا في العلّة التي اضطرتنا إلى هذا القول؛ فإن كانت صحيحة فالصّحيح لا يوجب إلا الصحيح. وإن كانت سقيمة علمنا أنّما أتينا من تأويلنا.
وأما قوله: لَأُعَذِّبَنَّهُ
[4] فإنّ التعذيب يكون بالحبس، كما قال الله عزّ وجلّ:
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ
[5] . وإنّما كانوا مخيّسين [6] .
__________
[1] 13/سبأ: 34.
[2] 38/ص: 38.
[3] 14/سبأ: 34.
[4] 21/النمل: 27.
[5] 14/سبأ: 34.
[6] المخيس، هو من قولهم: إبل مخيسة؛ أي لا تسرح.

الصفحة 306