كتاب الحيوان (اسم الجزء: 3-4)

قال: فبات القوم يتوقّعون نزول الملك، ويلاحظون السّماء، وأبطأ عنهم حتّى قام جلّ أهل اليمامة؛ وأطنبت الرّيح [1] وقويت، فأرسلها، وهم لا يرون الخيوط، واللّيل لا يبين عن صورة الرّقّ، وعن دقّة الكاغد. وقد توهّموا قبل ذلك الملائكة.
فلمّا سمعوا ذلك ورأوه تصارخوا وصاح: من صرف بصره ودخل بيته فهو آمن! فأصبح القوم وقد أطبقوا على نصرته والدّفع عنه. فهو قوله [2] : [من الطويل]
ببيضة قارور وراية شادن ... وتوصيل مقصوص من الطير جادف
فقلت لسهم: يكون مثل هذا الأمر العجيب، فلا يقول فيه شاعر، ولا يشيع به خبر؟! قال: أو كلما كان في الأرض عجب، أو شيء غريب، فقد وجب أن يشيع ذكره، ويقال فيه الشّعر، ويجعل زمانه تاريخا! ألسنا معشر العرب نزعم أنّ كسرى أبرويز، وهو من أحرار فارس، من الملوك الأعاظم، وسليل ملوك، وأبو ملوك، مع حزمه ورأيه وكماله، خطب إلى النّعمان بن المنذر، وإلى رجل يرضى أن تكون امرأته ظئرا لبعض ولد كسرى، وهو عامله، ويسمّيه كسرى عبدا، وهو مع ذلك أحيمر أقيشر، إمّا من أشلاء قصيّ بن معد، وإما من عرض لخم. وهو الذي قالوا: تزوّج مومسة- وهي الفاجرة؛ ولا يقال لها مومسة إلّا وهي بذلك مشهورة- وعرفها بذلك، وأقام عليها، وهجي بها ولم يحفل بهجائهم. وممّا زاد في شهرتها قصّة المرقش. وناكها قرّة بن هبيرة حين سباها. فعلم بذلك وأقام عليها، ثمّ لم يرض حتّى قال لها: هل مسّك؟ قالت: وأنت والله لو قدر عليك لمسّك! فلم يرض بها حتى قال لها: صفيه لي. فوصفته حتّى قالت: كأنّ شعر خدّيه حلق الدّرع! وبال على رأسه خلف ابن نوالة الكناني عام حجّ، ونصّره عديّ بن زيد بأحمق سبب [3] . وخطب أخوه المنذر إلى عبيدة بن همام، فردّه أقبح الرّدّ، وقال [4] : [من المتقارب]
__________
[1] أطنبت الريح: اشتدت.
[2] تقدم البيت في بداية هذه الفقرة.
[3] نصّره: أدخله في النصرانية، وكان سبب تنصّر النعمان- وكان يعبد الأوثان قبل ذلك- أنه مر على المقابر ومعه عدي بن زيد الذي قال له إن هذه المقابر تقول:
كنا كما كنتم فغيّرنا دهر ... فسوق كما صرنا تصيرونا
فدخلته رقة، وخرجا مرة أخرى، ومرّا على المقابر فأنشده عدي أبياتا أخرى فرجع النعمان وتنصر، انظر تفصيل الخبر في الأغاني 2/134- 135.
[4] البيتان للأسود بن يعفر في ديوانه 67، واللسان والتاج (نكر) ، والأول في التنبيه والإيضاح 2/218، والبيتان بلا نسبة في الكامل 920، 1077 (الدالي) ، والأول في المخصص 17/12، وديوان الأدب 1/261، 3/435، والعين 8/137.

الصفحة 442