كتاب الحيوان (اسم الجزء: 3-4)

لعمري لقد أمهلت في نهي خالد ... عن الشّام إمّا يعصينّك خالد [1]
وأمهلت في إخوانه فكأنّما ... تسمّع بالنّهي النّعام المشرّد
وقال الذي زعم أنّها تسمع: فقد قال الله عزّ وجلّ: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ
[2] ولو عنى أنّ عماهم كعمى العميان، وصممهم كصمم الصّمّان، لما قال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها
[3] وإنّما ذلك كقوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ*
[4] وكيف تسمع المدبر عنك! ولذلك يقال: «إنّ الحبّ يعمي ويصمّ» [5] . وقد قال الهذليّ: [من الطويل]
تسمّع بالنّهي النّعام المشرّد
والشارد النافر عنك لا يوصف بالفهم. ولو قال: تسمع بالنّهي، وسكت- كان أبلغ فيما يريد. وهو كما قال الله تعالى: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ*
[4] . قال الرّاجز [6] : [من الرجز]
ردي ردي ورد قطاة صمّا ... كدريّة أعجبها برد الما [7]
أي لأنها لا تسمع صوتا يثنيها ويردّها.
وأنشد قول الشاعر [8] : [من الطويل]
دعوت خليدا دعوة فكأنما ... دعوت به ابن الطّود أو هو أسرع
والطّود: الجبل. وابنه: الحجر الذي يتدهده [9] منه، كقوله [10] : [من الطويل]
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
__________
[1] في ديوان الهذليين «أمهلت: أي نهيته في مهلة قبل أن يأزف أمره، أي جعلت له مهلة ولم أجد بنفسه، وكان نهاه أن يهاجر، وقوله: إما يعصينك خالد، أي: عصاك خالد» .
[2] 23/محمد: 47.
[3] 24/محمد: 47.
[4] 80/النمل: 27.
[5] هذا القول من الأمثال في مجمع الأمثال 1/78، 196، وجمهرة الأمثال 1/356 والمستقصى 2/56، وفصل المقال 320، وأمثال ابن سلام 224، والأمثال لمجهول 57.
[6] الرجز بلا نسبة في اللسان والتاج (صمم) ، والوساطة 402.
[7] الكدرية: ضرب من القطا قصار الأذناب، والقطا: ثلاثة أضرب، كدري وجوني وغطاط. انظر اللسان (كدر) .
[8] البيت بلا نسبة في اللسان والتاج (طود) ، وأساس البلاغة (بني، طود) والتهذيب 14/4، والمخصص 13/202.
[9] يتدهده: يتدحرج.
[10] صدر البيت (مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا) وهو لامرئ القيس من معلقته في ديوانه 19، واللسان

الصفحة 447