كتاب الحيوان (اسم الجزء: 3-4)

كأنه يقول: يقود بعيرا. وهو كقول عنترة [1] : [من الكامل]
وحليل غانية تركت مجدّلا ... تمكو فريصته كشدق الأعلم
1207-[ردّ مدّعي الصّمم]
فقال من ادّعى للنّعام الصّمم: أمّا قولكم: من الدّليل على أن النّعامة تسمع قول الشاعر [2] : [من الكامل]
تدعو النّعام به العرار
وقوله [3] : [من الطويل]
متى ما تشأ تسمع عرارا بقفرة ... يجيب زمارا كاليراع المثقّب
وقوله [4] : [من الخفيف] آنست نبأة وأفزعها القنّاص عصرا وقد دنا الإمساء فليس ذلك أراد. وقد يراك الأخرس من النّاس- والأخرس أصمّ- فيعرف ما تقول، بما يرى من صورة حركتك، كما يعرف معانيك من إشارتك، ويدعوك ويطلب إليك بصوت؛ وهو لم يسمع صوتك قط فيقصد إليه، ولكنه يريد تلك الحركة، وتلك الحركة تولد الصّوت، أراده هو أو لم يرده. ويضرب فيصيح، وهو لم يقصد إلى الصّياح، ولكنّه متى أدار لسانه في جوبة الفم بالهواء الذي فيه، والنّفس الذي يحضره جمّاع [5] الفم، حدث الصّوت. وهذا إنما غايته الحركة فيعرف صورة تلك الحركة.
والأخرس يرى النّاس يصفّقون بأيديهم، عند دعاء إنسان، أو عند الغضب والحدّ، فيعرف صورة تلك الحركة؛ لطول تردادها على عينيه، كما يعرف سائر الإشارات. وإذا تعجّب ضرب بيديه كما يضربون.
فالنّعامة تعرف صورة إشارة الرّئلان وإرادتها، فتعقل ذلك، وتجاوبها بما تعقل عنها من الإشارة والحركة، وغدت لحركتها أصوات. ولو كانا يسمعان لم تزد حالهما في التّفاهم على ذلك.
__________
[1] ديوان عنترة 24، وتقدم البيت في 3/148.
[2] البيت للطرماح في ديوانه 143 (115) .
[3] البيت للبيد في ديوانه 18.
[4] البيت للحارث بن حلزة من معلقته، وقد تقدم في ص 448.
[5] الجمّاع: مجتمع الأصل.

الصفحة 455