كتاب الحيوان (اسم الجزء: 3-4)

السّمك والماء حتّى تموت قسوة! وكيف صار ذبح الشّاة قسوة وصيد السمك بالسّنانير المذرّبة المعقّفة [1] ليس لها شعائر تخالف العقاف المنصوص في جهاتها.
وكيف وهي وإن لم تنشب في أجوافها، وتقبض على مجامع أرواحها، لم تقدر على أخذها؟!.
وكيف صار وجء اللّبّة [2] من الجزور أقسى من ضرب النبائل؟! أم كيف صار طعن العير بالرّمح، ونصب الحبائل للظّباء، وإرسال الكلاب عليها أشدّ من وقع النّبائل في ظهر السّمك؟! ولأنّكم تكثرون قولكم: لا نأكل شيئا فيه دم أيّام صومنا، فللسّمك دم، ولا بدّ لجميع الحيوان من دم أو شيء يشاكل الدّم، فما وجه اعتلالكم بالدّم؟! ألأنّ كلّ شيء فيه دم فهو أشدّ ألما؟ فكيف نعلم ذلك؟ وما الدّليل عليه؟
فإن زعمتم أنّ ذلك داخل في باب التعبّد والمصلحة، لا في باب القياس والرّحمة والقسوة، فهذا باب آخر. إلّا أن تدّعوا أنّ ذوات الدّماء أقوى للأبدان، وآشر [3] للنّفوس، فأردتم بذلك قلّة الأشر وضعف البدن. فإن كان ذلك كذلك فقد ينبغي أن يكون هذا المعنى مستبينا في آكلي السّمك من البحريين.
وأمّا ما ذكرتم من ملازمة الحرفة لهؤلاء الأصناف، فإنّ كلّ من نزلت صناعته، ودقّ خطر تجارته، كذلك سبيله.
وأحلّ الكسب كلّه وأطيبه عند جميع النّاس سقي الماء، إمّا على الظّهر، وإمّا على دابّة. ولم أر سقّاء قطّ بلغ حال اليسار والثّروة وكذلك ضرّاب اللّبن، والطّيّان، والحرّاث. وكذلك ما صغر من التّجارات والصّناعات.
ألا ترون أنّ الأموال كثيرا ما تكون عند الكتّاب، وعند أصحاب الجوهر، وعند أصحاب الوشي والأنماط [4] ، وعند الصّيارفة والحنّاطين [5] ، وعند البحريّين
__________
[1] المذربة: المحددة: المعقفة: الملوية.
[2] الوجء: الطعن. اللبة: موضع النحر.
[3] الأشر: المرح والنشاط.
[4] الأنماط: ضرب من البسط.
[5] الحناطين: بائعو الحنطة، أي البر.

الصفحة 474