كتاب الحيوان (اسم الجزء: 3-4)

كانوا إذا تتابعت عليهم الأزمات وركد عليهم البلاء، واشتدّ الجدب، واحتاجوا إلى الاستمطار، استجمعوا وجمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثمّ عقدوا في أذنابها وبين عراقيبها، السّلع والعشر [1] ، ثمّ صعدوا بها في جبل وعر، وأشعلوا فيها النّيران، وضجّوا بالدّعاء والتضرّع. فكانوا يرون أنّ ذلك من أسباب الشّقيا. ولذلك قال أميّة [2] : [من الخفيف]
سنة أزمة تخيّل بالنّا ... س ترى للعضاه فيها صريرا [3]
إذ يسفّون بالدّقيق وكانوا ... قبل لا يأكلون شيئا فطيرا [4]
ويسوقون باقرا يطرد السّه ... ل مهازيل خشية أن يبورا [5]
عاقدين النّيران في شكر الأذ ... ناب عمدا كيما تهيج البحورا [6]
فاشتوت كلها فهاج عليهم ... ثمّ هاجت إلى صبير صبيرا [7]
فرآها الإله ترشم بالقط ... ر وأمسى جنابهم ممطورا [8]
فسقاها نشاصه واكف الغى ... ث منهّ إذ رادعوه الكبيرا [9]
سلع ما ومثله عشر ما ... عائل ما وعالت البنقورا [10]
__________
[1] السلع والعشر: ضربان من الشجر.
[2] ديوان أمية بن أبي الصلت 396- 399، وعيار الشعر 60، 2/395، والحماسة البصرية 2/395.
[3] في ديوانه: «سنة جدبة: شديدة القحط، وهي من الأزم، وهو العض بالفم أو بالأنياب. تخيل بالناس: تشتبه عليهم فيتوهمون الخير ولا خير فيها. العضاه: كل شجر له شوك» .
[4] في ديوانه: «سففت الدقيق: أخذته غير معجون. الفطير: العجين الذي لم يختمر.
[5] في ديوانه: «الباقر: جماعة البقر. يبور: يهلك» .
[6] في ديوانه: «الشكر: مفردها شكير، وهو من الشعر» . والريش والنبت ما نبت صغاره بين كباره.
تهيج البحور: أراد تبعث المطر الغزير الذي يشبه البحور بغزارته» .
[7] في ديوانه: «وهاجت السماء: غيمت وكثرت ريحها، وهاجت الإبل: عطشت. والصبير: السحاب يثبت يوما وليلة لا يبرح، كأنه يصبر، أي يحبس» .
[8] في ديوانه: «الرشم: الأثر والعلامة» .
[9] في ديوانه: «النشاص: السحاب المرتفع. والواكف: الهاطل. منهّ: فاعل من نهّى الشيء وانتهى وتناهى، إذا بلغ نهايته. وردعه عن الأمر: كفّه، ورادعوه: للمشاركة؛ فهم كفّوا عما بهم من إثم، وهو كفّ عن الانحباس والتشديد عليهم. والكبيرا صفة قامت مقام الموصوف بعد حذفه، والتقدير: رادعوه الشر الكبيرا. منهّ: حال «نشاصه» ، أي سقاها نشاصه بالغا نهايته، وكان حقها أن تكون «منهّيا» ولكنه حذف الياء ضرورة كحذفها في الرفع والجر.
[10] في ديوانه: «السلع والعشر: ضربان من الشجر. وعال الشيء فلانا: ثقل عليه، يريد أن السنة أثقلت البقر بما حملتها من السلع والعشر» .

الصفحة 492