كتاب الحيوان (اسم الجزء: 3-4)

وإذ هو لا يستبّ خصمان عنده ... ولا القول مرفوع بجد ولا هزل
فإن خبز إسماعيل حلّ به الذي ... أصاب كليبا لم يكن ذاك عن بذل
ولكن قضاء ليس يسطاع دفعه ... بحيلة ذي دهي ولا فكر ذي عقل
620-[الأعراب أشعر من أهل الأمصار]
والقضية التي لا أحتشم منها، ولا أهاب الخصومة فيها: أنّ عامّة العرب والأعراب والبدو والحضر من سائر العرب، أشعر من عامّة شعراء الأمصار والقرى، من المولدة والنابتة. وليس ذلك بواجب لهم في كلّ ما قالوه.
وقد رأيت ناسا منه يبهرجون أشعار المولّدين، ويستسقطون من رواها ولم أر ذلك قطّ إلّا في رواية للشعر غير بصير بجوهر ما يروى. ولو كان له بصر لعرف موضع الجيّد ممّن كان، وفي أيّ زمان كان.
وأنا رأيت أبا عمرو الشيبانيّ وقد بلغ من استجادته لهذين البيتين، ونحن في المسجد يوم الجمعة، أن كلّف رجلا حتى أحضره دواة وقرطاسا حتّى كتبهما له.
وأنا أزعم أنّ صاحب هذين البيتين لا يقول شعرا أبدا. ولولا أن أدخل في الحكم بعض الفتك؛ لزعمت أنّ ابنه لا يقول شعرا أبدا، وهما قوله [1] : [من السريع]
لا تحسبنّ الموت موت البلى ... فإنّما الموت سؤال الرّجال
كلاهما موت ولكنّ ذا ... أفظع من ذاك لذلّ السّؤال
621-[القول في المعنى واللفظ]
وذهب الشّيخ إلى استحسان المعنى، والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجميّ والعربيّ، والبدويّ والقروي، والمدنيّ. وإنّما الشأن في إقامة الوزن، وتخيّر اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحّة الطبع وجودة السّبك، فإنما الشعر صناعة، وضرب من النّسج، وجنس من التّصوير.
وقد قيل للخليل بن أحمد: ما لك لا تقول الشّعر؟ قال: «الذي يجيئني لا أرضاه، والذي أرضاه لا يجيئني» [2] .
__________
[1] البيان بلا نسبة في البيان والتبيين 2/171.
[2] نسب هذا القول إلى ابن المقفع في البيان والتبيين 1/208.

الصفحة 67