كتاب الحيوان (اسم الجزء: 3-4)

وقال مثنّى بن زهير [1] : لم أر قطّ في رجل وامرأة إلّا وقد رأيت مثله في الذّكر والأنثى من الحمام: رأيت حمامة لا تريد إلّا ذكرها، كالمرأة لا تريد إلّا زوجها وسيّدها، ورأيت حمامة لا تمنع شيئا من الذّكورة، ورأيت امرأة لا تمنع يد لامس، ورأيت الحمامة لا تزيف إلا بعد طرد شديد وشدة طلب، ورأيتها تزيف لأوّل ذكر يريدها ساعة يقصد إليها، ورأيت من النساء كذلك، ورأيت حمامة لها زوج وهي تمكن ذكرا آخر لا تعدوه، ورأيت مثل ذلك من النساء، ورأيتها تزيف لغير ذكرها وذكرها يراها، ورأيتها لا تفعل ذلك إلّا وذكرها يطير أو يحضن، ورأيت الحمامة تقمط الحمام الذكور، ورأيت الحمامة تقمط الحمامة، ورأيت أنثى كانت لي لا تقمط إلا الإناث، ورأيت أخرى تقمط الإناث فقط، ولا تدع أنثى تقمطها.
قال: ورأيت ذكرا يقمط الذّكورة وتقمطه؛ ورأيت ذكرا يقمطها ولا يدعها تقمطه، ورأيت أنثى تزيف للذّكورة ولا تدع شيئا منها يقمطها.
قال: ورأيت هذه الأصناف كلّها في السّحّاقات من المذكّرات والمؤنثات، وفي الرّجال الحلقيّين [2] واللّوطيّين. وفي الرجال من لا يريد النساء، وفي النساء من لا يريد الرجال.
قال: وامتنعت عليّ خصلة، فو الله لقد رأيت من النساء من تزني أبدا وتساحق أبدا ولا تتزوج أبدا، ومن الرجال من يلوط أبدا، ويزني أبدا ولا يتزوّج، ورأيت حماما ذكرا يقمط ما لقي ولا يزاوج. ورأيت حمامة تمكّن كلّ حمام أرادها من ذكر وأنثى، وتقمط الذكورة والإناث، ولا تزاوج. ورأيتها تزاوج ولا تبيض، وتبيض فيفسد بيضها؛ كالمرأة تتزوّج وهي عاقر، وكالمرأة تلد وتكون خرقاء ورهاء. ويعرض لها الغلظة والعقوق للأولاد، كما يعتري ذلك العقاب.
وأمّا أنا فقد رأيت الجفاء للأولاد شائعا في اللّواتي حملن من الحرام ولرّبما ولدت من زوجها، فيكون عطفها وتحنّنها كتحنن العفيفات السّتيرات، فما هو إلّا أن تزني أو تقحب فكأنّ الله لم يضرب بينها وبين ذلك الولد بشبكة رحم، وكأنّها لم تلده.
قال مثنّى بن زهير: ورأيت ذكرا له أنثيان وقد باضتا منه، وهو يحضن مع هذه
__________
[1] انظر الخبر في عيون الأخبار 2/91، والعقد الفريد 6/240، ومحاضرات الأدباء 4/660.
[2] الحلقي: من ألفاظ المولدين، وتعني: الذي فسد عضوه فانعكس ميل شهوته. انظر شفاء الغليل 70.

الصفحة 84