كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 100 """"""
المأمون يوماً ومعه ندماؤه وفيهم محمد بن حامد وجماعةٌ من المغنين وعريب معه على مصلاة ، فأومأ إليها محمد بن حامد بقبلةٍ ، فاندفعت فغنت ابتداء :
رمى ضرع نابٍ فاستمر بطعنةٍ . . . كحاشية البرد اليماني المسهم
تريد بغنائها جواب محمد بن حامد بان تقول له : طعنة . فقال المأمون للندماء : أيكم أومأ إلى عريب بقبلة ؟ والله لئن لم يصدقني لأضربن عنقه فقال محمد بن حامد : أنا يا أمير المؤمنين أومأت إليها ، والعفو أقرب للتقوى . فقال : قد عفوت عنك . فقال : كيف استدل أمير المؤمنين على ذلك ؟ فقال : ابتدأت صوتاً ، وهي لا تغني ابتداء إلا معنًى ، فعلمت أنها لم تبتدئ هذا الصوت إلى لشيءٍ أومئ إليها به ، ولم يكن من شرط هذا الموضع إلا إيماءٌ بقبلةٍ ، فعلمت أنها أجابته بطعنة . وقد حكي أن المأمون قال في هذه الواقعة عن محمد بن حامد : نكشخنه قبل أن يكشخننا ، فزوجه إياها ، واشترط عليه أن يحضرها إلى مجلسه في أوقاتٍ عينها له المأمون .
وقال حمدون : كنت ليلةً في مجلس المأمون في بلاد الروم بعد العشاء الآخرة في ليلةٍ ظلماءٍ ذات رعودٍ وبروق ، فقال لي المأمون : اركب الساعة فرس النوبة وسر إلى عسكر أبي إسحاق ، يعني المعتصم ، فأد إليه رسالتي وهي كيت وكيت . فركبت فلم تثبت معي شمعة ، وسمعت وقع حافر دابةٍ فرهبت ذلك فجعلت أتوقاه حتى صك ركابي تلك الدابة ، وبرقت بارقةٌ فأبصرت وجه الراكب فإذا عريب ، فقلت : عريب ؟ قال : نعم ، حمدون ؟ قلت نعم . ثم قلت لها : من أين أقبلت في هذا الوقت ؟ قالت : من عند محمد بن حامد . قلت : وما صنعت عنده ؟ قالت : يا نكس ، عريب تجيء في هذا الوقت من عند محمد بن حامد خارجةً من مضرب الخليفة راجعةً إليه تقول لها : أي شيءٍ عملت معه صليت معه التراويح ، أو قرأت عليه أجزاء من القرآن ، أو دارسته شيئاً من الفقه يا أحمق ، تحادثنا وتعاتبنا واصطلحنا ولعبنا وشربنا وغنينا وانصرفنا . قال : فأخجلتني وغاظتني وافترقنا .

الصفحة 100