كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 103 """"""
قال عثمان بن العلاء عن أبيه : عتب المأمون على عريبٍ فهجرها أياماً ، ثم اعتلت فعاد فقال : كيف وجدت طعم الهجر ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين ، لو لا مرارة الهجر ما عرفت حلاوة الوصل ، ومن ذم بدء الغضب حمد عاقبة الرضا . فخرج المأمون إلى جلسائه فحدثهم بالقصة ، ثم قال : أترى لو كان هذا من كلام النظام لم يكن كثيراً وقال أحمد بن أبي دواد : جرى بين المأمون وبين عريب كلام ، فكلمها المأمون بشيءٍ فغضبت منه فهجرته أياماً . فدخلت على المأمون ، فقال : يا أحمد ، اقض بيننا . فقالت عريب : لا حاجة لي في قضائه ودخوله بيننا ، وأنشأت تقول :
ونخلط الهجر بالوصال ولا . . . يدخل في الصلح بيننا أحد
وكانت قد تمكنت من المأمون وأخذت بمجامع قلبه ، وذهب به حبها كل مذهب ، وقد قدمنا أنه قبل رجلها . وكانت عريب تهوى أبا عيسى بن الرشيد أخا المأمون ، وكان المثل يضرب بحسنه وحسن غنائه ، وكانت تزعم أنها ما عشقت أحداً من بني هاشم وأصفته من الخلفاء وأولادهم سواه . ولم تزل عريب مبجلةً عند الخلفاء محبوبةً إليهم مكرمةً لديهم إلى أن غضب عليها المعتصم والواثق وانحرفا عنها . وكان سبب ذلك أن المعتصم وجد لها كتاباً إلى العباس بن المأمون ببلد الروم تقول فيه : اقتل أنت العلج حتى أقتل أنا الأعور الليلي هاهنا - تعني الواثق ، وكان المعتصم استخلفه ببغداد - ولعمري إن هذا من الأمور العظيمة التي لا تحتمل من الأولاد والأخوة فكيف من أمةٍ مغنية ولو لم تكن لها عندهم المكانة العظمى والمحل الكبير لما أبقوها بعد الاطلاع من باطن حالها على هذه الطوية . وكانت عريبٌ تكايد

الصفحة 103