كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 108 """"""
وقال أبو العباس بن الفرات : حدثتني بدعة جارية عريب : أن عريب كانت تجد في رأسها برداً وكانت تغلف رأسها بستين مثقالاً مسكاً وعنبراً ، وتغسله من جمعةٍ إلى جمعة ، فإذا غسلته جددت غيره ، وتقتسم الجواري غسالة رأسها .
وقال علي بن المنجم : دخلت يوماً على عريب مسلماً عليها ، فلما جلست هطلت السماء بمطرٍ عظيم . فقالت : أقم عندي اليوم حتى أغنيك أنا وجواري ، وابعث إلى من أحببت من إخوانك ، فأمرت بدوابي فردت ، وجلسنا نتحدث . فسألتني عن خبرنا بالأمس في مجلس الخليفة ومن كان يغنينا ، وأي شيءٍ استحسناه من الغناء . فأخبرتها أن صوت الخليفة كان لحناً صنعه بنان من الماخوري . فقالت : وما هو ؟ فقلت :
تجافي ثم تنطبق . . . جفونٌ حشوها الأرق
وذي كلفٍ بكى جزعاً . . . وسفر القوم منطلق
به قلقٌ يململه . . . وكان ما به قلق
جوانحه على خطرٍ . . . بنار الشوق تحترق فوجهت رسولاً إلى بنان ، فحضر وقد بلته السماء ، فأمرت بخلعٍ فاخرةٍ فخلعت عليه ، وقدم له طعامٌ فأكل ، وجلس يشرب معنا . فسألته عن الصوت فغناه إياه . فأخذت دواةً ورقعةً وكتبت :
أجاب الوابل الغدق . . . وصاح النرجس الغرق
وقد غنى بنان لنا : . . . جفونٌ حشوها الأرق
فهاك الكأس مترعةً . . . كأن ختامها حدق
قال : فما شربنا بقية يومنا إلا على هذه الأبيات .
وأخبار عريب كثيرةٌ ، قد وضع عبد الله بن المعتز فيها ديواناً . وفيما أوردناه من أخبارها كفايةٌ لا تحتمل المختصرات أكثر منها . والله تعالى أعلم .

الصفحة 108